يرى بعض الخُبراء أَنّ "تُركيا تستغلّ الآن التّنافس الرُّوسيّ-الأَميركيّ، وكلاهُما يقدّم إِليها أَماكن ومناطق نُفوذٍ ومُساعداتٍ، مِن أَجل كسب تُركيا لمصلحة أَحدهما، وبالتّالي فهي تشعُر بالنّشوة من حيثُ إِمكان التّحكُم في المنطقة". هي باتت تتحكّم بالبشر، والشّجر وب​المياه​، كما وأَضحى الكثير مِن السُّوريّين يتبعون لها ويأتمرون بقراراتها...

ويعتقد هؤُلاء، "أَلَّا قدرة لدى دمشق -وهو حال ​بغداد​ أَيضًا- على مُواجهة تُركيا، كما كان يحصُل في فترات القوّة لهذَيْن البلدَيْن". وضعف كُلٍّ مِن دمشق وبغداد، "يجعلهما ينتظران مصيرهما كما تقرّره الدُّول الكُبرى ودولتا الإِقليم المُتحكّمتان: إِيران وتُركيا.

وكشف المُحاضر في القانون الدّوليّ في جامعة دمشق، أَحمد مرعي، أَنّ "الجانب التُّركيّ يستخدم عبارة "المياه العابرة للحُدود"، بدلًا مِن الأَنهر الدّوليّة". وأَضاف أَنّ تُركيا "لا تعترف بالفُرات ودجلة على أَنّهما نهرَيْن دوليَّيْن أَصلًا، وإِنّما تعتبرهما نهرَيْن عابرَيْن للحُدود"، كي يخضعا للسّيادة المُطلقة للدّولة الّتي ينبعان منها. وبناءً على ذلك، تفترض أَنّ "مِن حقّها أَن تتصرّف في كميّة المياه الّتي تمنحها إِلى الدّولة الحوضيّة الأُخرى، بينما تستخدم هي ما تشاء لسدّ حاجتها مِن مياه النّهرين حاضرًا ومُستقبلًا، ما يعني "تتريك النّهرين".

إِلى ذلك، تقُوم السّياسة المائيّة التُّركيّة على "حقّ السّيادة المُطلقة لتُركيا على مواردها المائيّة في حوض دجلة و​الفرات​ داخل أَراضيها"، ولذلك تصرّفت بالمُطلق في مياه النّهرَيْن، مِن خلال تشييد السُّدود والمشاريع الإِروائيّة والزّراعيّة، وما زالت مُستمرّة في نهجٍ مُقاربٍ، ومِن دون "مُراعاة" حُقوق الدُّول المُتشاطئة معها.

استراتيجيّةٌ قديمةٌ

وكانت تُركيا استغلّت الحرب بين ​العراق​ وإِيران، وكذلك الأَجواء المشحونة بين سُوريا والعراق، وكذلك خوض ​سوريا​ في الفترة الأخيرة حُروبًا مُتعدّدة... وانشغالها بالمخاطر الدّاخليّة المُحدقة بها... لتعزيز ​سياسة​ "التّتريك" المائيّة.

وفي مُقابل الموقف التُّركيّ من المجاري المائيّة، فإِنّ الموقف السُّوريّ يُؤَكد أَنّ دجلة والفرات "مجرَيان مائيّان دوليّان"، وبالتّالي تنطبق عليهما مبادئ القانون الدّوليّ، من حيثُ تقاسُم المياه. وبالتّالي فإِنّ مبدأَ تقسيم مياه "دجلة والفُرات"، هو حقٌّ مِن الحُقوق، ويجب أَنْ يتمّ ذلك مِن خلال اتّفاقاتٍ ثنائيّةٍ أَو ثُلاثيّة. وما يصل حُدود سوريا –بحسب رأي دمشق- أَو حُدود العراق من مياه "دجلة والفرات"، ليس منّةً من أَحدٍ، بل هُو حقٌّ شرعيٌّ وَفق الأَعراف الدّوليّة، و"بروتوكول عام 1987"، المُوقّع بين تُركيا وسوريا.

ويبدو أَنّ سوريا، ستعود وتُؤكّد مُستقبلًا حقّها في تقاسُم المياه وَفقًا للقانون الدّوليّ، وليس للنّظرة التُّركيّة وتعريف أَنقرة للأَنهار.

حربُ مياهٍ؟

وتزايدت الاتّهامات أَخيرًا لتُركيا باستخدام السُّدود والمياه سلاحًا في مشاركتها في الحُروب الّتي تشهدها المنطقة، كما في سوريا والعراق، إِضافةً إِلى ​ليبيا​. وهي تضخّ كميّات المياه الّتي تنبع مِن أَراضيها، عبر التّحكُّم بها من خلال عددٍ مِن السُّدود، وأَكبرها في تُركيا "سدّ أَتاتورك" على "الفُرات" الّذي يُعدُّ ثاني أَكبر سدٍّ في الشّرق الأَوسط. وأَمّا أَحدث هذه السُّدود، فهُو "سدّ إليسو" الّذي تمّ افتتاحه في العام 2018، على نهر "دجلة".

وذكرت ​تقارير​ إِعلاميّة أَنّ بناء السّد أَدى إِلى انخفاض حصّة العراق مِن مياه النّهر بنسبة 60 في المئة، بينما تكفّل "سدّ أَتاتورك" بتراجُع حصّة السُّوريّين مِن مياه "الفُرات" إِلى مُستوياتٍ غير مسبوقةٍ، وهي تُنذر بالأَسوإِ إِذ تراجعت إِلى أَقلّ من رُبع الكميّة المُتّفَق عليها دوليًّا.