توحي كلُ الأزمات السياسية والإقتصادية والمالية والقضائية أن ​لبنان​ دخل في نفق الفوضى الشاملة. لا يمكن حصر تداعيات تلك الأزمات بمساحات محدّدة، بل يصعب تعداد العناوين المسجونة في الأسر اللبناني، من دون معرفة مسار الحلول ولا موعد الإفراج عن البلد.

هل تكفي الإشارة الى عدم وجود ​حكومة​ مسؤولة، وغياب القدرة السياسية عن إستيلاد ​مجلس وزراء​ أصيل ومقتدر؟ قد يكون هنا بالذات مدماك ​الأزمة​ وأساس مشروع الحل!. لكن لا يزال كل فريق سياسي يتعاطى مع المستجدات اللبنانية وكأن شيئاً لم يحصل: كأن لا انهيارات مالية وإقتصادية ومعيشية. كان المفروض أن يحصل لم الشمل الوطني، لتأليف حكومة وحدة جامعة لا تستثني احداً، فجاءت الشروط والشروط المضادة تُبقي البلد في سجن الأزمة. ماذا بعد؟ لا توحي المؤشرات سوى بسوداوية المشهد.

لن يستطيع لبنان تأمين الأموال الازمة لتسيير شؤون ​الدولة​. ستظهر أول المؤشرات في العتمة القادمة بعد أسابيع: لا ​كهرباء​ ولا إتصالات. سيجري رفع الدعم المالي: ارتفاع جنوني ل​أسعار المحروقات​ والمواد الغذائية بعدما ارتفعت اساسا اسعار السلع الأخرى. ستبدأ النقابات بالتحركات التي تطل خلال ساعات مع ​السائقين العموميين​، وتتبعها تحركات أخرى لقطاعات نقابية واسعة.

هناك من يقول إن أحد أهم الحلول سيكون بتعزيز ​الصناعة​ الداخلية. هذا الطرح وطني وممتاز. لكنه يحتاج الى سنوات للإستفادة من القدرات المحلية، خصوصا ان المواد الأولية لكل الصناعات يجري استيرادها من الخارج، مما يُبقي الصناعيين ومعهم المواطن في دائرة ​السجن​ ذاته. اما تداعيات رفع الدعم فهي خطيرة في حال طالت المواد الطبية والغذائية الأساسية بعد نفاد القدرات المالية. عندها سيرتفع مجدّداً سعر صرف ​الدولار​ مقابل العملة الوطنية الى مستوى لن يقف عند حد: ما هو الحل؟ بدأت تتراكم أزمات ​الطلاب​ الذين باشروا بالتصعيد في ​تظاهرات​ تحذيريّة. تشير الوقائع الى ترك آلاف الطلاب جامعاتهم في الخارج والعودة الى لبنان للعمل في مهن عدّة، بعد عجز أهاليهم عن تأمين حاجاتهم المادّية بالعملات الأجنبية. مما يعني ترك اختصاصاتهم العلميّة وخسارة سنين وأحلام العمر.

تتعدّد التداعيات التي تترك سيئاتها على يوميات اللبنانيين، في ظل تكاثر الإخبارات والدعاوى القضائية من كل الأفرقاء بحق بعضهم تحت عنوان ​الفساد​، وتشير المعلومات هنا إلى إعداد القوى السياسية المتخاصمة عشرات الملفّات التي ستُقدم للقضاء خلال الأيام المقبلة. مما يشير الى تمدّد الأزمات بين الأفرقاء اللبنانيين.

هل هناك حلول مرتقبة؟.

لا يوجد أيّ مؤشر إيجابي لا بشأن ​تأليف الحكومة​، ولا حول طرح حلول من الخارج. مما يعني أن المشهد سيبقى قاتماً، في ظل مخاوف من تفلّت أمني. لكن تماسك ​المؤسسة العسكرية​ وحكمة قيادتها تفرض الطمأنينة في هذا الشأن، رغم الهواجس المتزايدة من إقدام ​إسرائيل​ على إستغلال الوضع اللبناني المأساوي بعملية عدوانية خاطفة. يعزّز تلك الهواجس الأنباء عن تسلل ومحاولات تسلل إسرائيلية الى ​الشاطئ اللبناني​ لتنفيذ مخطط ما تجاه أهداف لم تتضح حتى الآن.

كل شيء لا يطمئن في لبنان حالياً ولا توحي المعطيات بأن ​المستقبل​ القريب سيكون افضل. قد تكون الأشهر المقبلة أكثر سوءاً، بإنتظار تسوية لن تأتي من دون حضانة إقليمية ودولية مفقودة.