في الأيام الماضية، بدأ الحديث في بعض الأروقة عن ملفّ السلف المالية التي تُصرف في محافظة بيروت، بسبب الظروف الإستثنائيّة الناجمة عن الإنفجار الذي وقع في ​مرفأ بيروت​ في الرابع من آب الماضي، مع العلم أنّ المحافظ ​مروان عبود​ كان، بحكم موقعه السابق كقاضٍ في ​ديوان المحاسبة​ مكلّف بمراقبة بلديّة بيروت، من الرافضين لموضوع السلف الماليّة ويعتبرها هدراً للمال العام.

الأبرز على هذا الصعيد، بحسب ملفّ حصلت "النشرة" على نسخة منه، هو تجزئة السلف بشكل يسمح بعدم إرسالها إلى ديوان المحاسبة، وبالتّالي عدم خضوعها لمبدأ الرقابة المسبقة على صرف المال العام، فعلى سبيل المثال يتمّ تجزئة العمل الذي يكلّف 100 مليون ليرة إلى 5 سلف مالية، كل منها 20 مليون ليرة.

تكشف مصادر متابعة لهذا الملف، عبر "النشرة"، أنّ قيمة السلف تجاوزت المليارين ليرة، وتلفت إلى أنه تم منح أحد الموظفين (يحمل شهادة في الحقوق)، ما يقارب الـ800,000,000 ليرة على شكل سلف ماليّة، أيّ حوالي 40 سلفة لأعمال ترميم وإصلاح مبانٍ، وتعتبر أن المشاريع نفذت بشكل غير مطابق للمواصفات، لا بل أكثر من ذلك، تمّت إزالة الخشب وقوابض الأبواب وأدوات أخرى وإعادة بيعها على أساس أنّها جديدة.

في الإطار نفسه، تضع المصادر نفسها صرف 400,000,000 ل.ل. على اصلاح ألومينيوم ونوافذ في المنطقة المنكوبة من جرّاء إنفجار المرفأ، و350,000,000 ل.ل. على أعمال لوجستية لمساعدة أهل المنطقة، بالإضافة إلى 140,000,000 ل.ل. على شراء المكانس وتوابعها لزوم جمعيّات محسوبة على أعضاء في المجلس البلدي لأعمال ضمن المنطقة المنكوبة أيضاً.

على صعيد منفصل، تشير المصادر المطّلعة إلى أنّ المساعدات عبر الجمعيّات التي تتمركز في عقار ​بلدية بيروت​ في ​الكرنتينا​ هي من مسؤولية البلديّة التي تحتضنها، لكن المفارقة هي عدم إمكانيّة تحديد المستفيدين من هذه الجمعيّات أو الإستحصال على أسماء المستفيدين منها من أهل المنطقة، بالرغم من أن بعض الأعمال التي قدّمتها كانت على أساس أنها من ضمن السلف الماليّة الصادرة عن محافظ بيروت.

بالتزامن، تشير هذه المصادر إلى صرف سلف ماليّة بقيمة حوالي الـ100,000,000 ل.ل. مخصصة لأعمال إصلاح الإنارة وتغيير "اللمبات" في شوارع المنطقة المنكوبة، كما تم صرف سلف مالية بقيمة حوالي الـ 60,000,000 ل.ل. مخصصة لأعمال شراء محابر واصلاح آلات الطباعة، خاصة في المصالح التي تحضر التقارير اللازمة لإنفجار المرفأ لم يرَ الموظفون منها شيئاً إلا منذ حوالي شهر تقريباً، وتبيّن أنه تمت تعبئة المحابر القديمة بأسوأ نوعيّة وطريقة وتم تقديم فواتير بها على أنها جديدة.

في هذا السياق، لا يتردّد محافظ بيروت، في حديث لـ"النشرة"، في الإجابة على الأسئلة المطروحة على هذا الصعيد، رغم إدراكه بأنّ هناك من يقف وراء هذه الحملة، حيث يشير إلى أنّه منذ اللحظات الأولى لإنفجار المرفأ تحرّك، خصوصاً أنّ حجم الأضرار كان كبيراً جداً، ويلفت إلى أن الأساس كان ترميم مبنيي المحافظة والمالية.

ويشدد عبود على أنّ الظروف الإستثنائية هي التي فرضت الذهاب إلى خيار السلف الماليّة بالنسبة إلى المبنيين، لا سيما أنه يحتاج إلى مبنى لإدارة العمليّات، في حين أنّ هناك مبانٍ أخرى لم تخضع لهذه الطريقة، ويضيف: "خلال شهر ونصف الشهر تم الترميم بينما الذهاب إلى الخيارات الأخرى كان سيتطلب أكثر من سنة، مع العلم أن هناك موجودات بحاجة إلى حماية".

بالتزامن مع ذلك، يوضح عبود أن الكثير من المتعهّدين لا يوافقون على الدخول في مناقصات بسبب عدم إستقرار سعر صرف ​الدولار​ مقابل ​الليرة​، وبالتالي في حال أقدموا على ذلك سيبحثون عن هامش آمان عبر رفع الأسعار، ويضيف: "أعرف جيداً مخاطر السلف الماليّة، لكن اضطررت إلى أخذ هذا الموضوع على عاتقي واليوم هناك 5 طرق رقابة عليها".

وفي حين يؤكّد محافظ بيروت أنه لو لم يقم بذلك كان سيتعرّض لهجوم آخر، تحت عنوان عجزه عن إصلاح مبنى المحافظة فيما المطلوب منه أكثر من ذلك، يشير إلى أنّ هذه الحملة يقف خلفها من كانوا يرتكبون الفساد، ويشدّد على أنّ ردّه عليها سيكون عبر إستمراره بالعمل و"يا جبل ما يهزك ريح ولن أسمح بتشويه سمعتي".

وفي حين يشير عبود إلى أن الأساس هو التكلفة النهائية، نظراً إلى وجود سلف لم تصرف بشكل كامل أو حتى لم يصرف منها شيئاً، يؤكّد أحد الموظفين في المحافظة خضر بو عرم، عبر "النشرة"، الوارد اسمه في العديد من السلف الماليّة ضمن الملفّ، أنّ بعضها لم يصرف بشكل كامل، كتلك التي كانت مخصصة لإزالة الردميّات قبل أن يُسأل عنها حتى، نظراً إلى أنّ العملية تمّت من قبل موظفين، ويضيف: "هي ستعود إلى الخزينة"، ويتابع: "في حال إرتكابي أي خطأ لا أقبل إلا بتحويلي إلى القضاء المختص"، كما يشدّد على أنّ كل شيء واضح بالنسبة إلى إعادة تركيب الأدوات القديمة التي لا تزال صالحة.

بالنسبة إلى موضوع شراء محابر واصلاح آلات الطباعة، يلفت عبود إلى أنّ لجان الإستلام هي من عليها أن تقول إن كانت غير مطابقة للمواصفات، لكنّه يعطي مثالاً على ما يحصل بالإشارة إلى أن عقد أعمال تنظيف وصيانة مبنى القصر البلدي في الماضي كان يكلف ما يقارب 600 ألف دولار (976305000 ليرة)، بينما تكاليف أعمال ترميم المبنيين كانت بحدود 120 ألف دولار على أساس سعر الصرف القائم.

في المحصلة، الكثير من الأسئلة تطرح حول هذا الملف، لا سيما في ظل المعطيات التي يكشفها محافظ بيروت، التي توحي بأن ما يحصل يأتي في إطار تصفية الحسابات.