لم يرغب حزب "القوات" المشاركة في الحكومة. لا يتعلق الأمر بإتخاذ موقف من رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، ولا بسبب التباعد القائم بين معراب وبعبدا فحسب، بل إن قرار رئيس الحزب ​سمير جعجع​ نابع من تصميم سياسي على خوض ​الإنتخابات النيابية​ من موقع المعارضة. يعتقد "الحكيم" أن اللبنانيين سيحمّلون تبعات الأزمات السياسية والمالية والاجتماعية للقوى السياسية المشاركة في الحكومة العتيدة، والقيّمين على العهد الرئاسي. وهو إعتقاد منطقي، لكنه لا ينسجم مع الواقع اللبناني: هل سيتجاهل اللبنانيون أن "القوات" كان شارك في حكومات سابقة تتحمل مجتمعة مسؤولية إدارة البلد؟ قوّة موقف جعجع ستنطلق من حقيقة عدم الإنسجام لا السياسي ولا الحكومي مع التيار "الوطني الحر" تحديداً. سيسحب "الحكيم" ورقة الكهرباء من أرشيف مجلس الوزراء. لكنها لن تكون كافية: هل يتأثر اللبنانيون بكل الحملات الجارية بشأن ملفات الطاقة؟ تحوّل النقاش الدائر في البلد الى وجهات نظر سياسية قابلة للأخذ والرد والهجوم والدفاع ورمي المسؤوليات الى مختلف الملاعب يميناً ويساراً.

مما يعني أنّ حسابات حقل "القوات" ستختلف عن حسابات البيدر الإنتخابي. هي ليست المرة الأولى التي يُخطئ فيها الحزب المذكور. الاّ اذا كان يسعى للهروب من تحمل المسؤولية الوطنية في ظرف لبناني حسّاس.

تقتضي مصلحة جعجع أن ينجح الحريري في تأليف حكومة من دون أن ينكسر "الشيخ سعد". توحي كل المعطيات أن تخلّي "القوات" عن الحريري سيصبّ في مصلحة "الوطني الحر" وفريق "العهد" الذين يحق لهم المطالبة بالوزراء المسيحيين. أمّا في حال مشاركة "القوات" في الحكومة، سيكون للحزب وزراء مسيحيين يشكّلون مع الحريري فريقاً حكوميا منسجماً في ظل النزاع السياسي الدائر الآن. عندها يُمكن لعقدة "الثلث" أن تُحل بوجود مساحة أكبر للتوازنات.

وفق المعلومات، فإن المساعي تجري لإقناع "الحكيم" بالمشاركة في الحكومة العتيدة، وعدم سلوك درب المعارضة لكل القوى: هل يعتقد جعجع أن بإمكانه الفوز بإنتخابات نيابية من دون حلفاء؟ ولنفترض أن حسابات "القوات" صحّت بنجاح الخطاب المعارض، فهل تكفي كتلة "​الجمهورية القوية​" وحدها لإمساك زمام المبادرة اللبنانية؟ مهما كان عدد الفائزين "القواتيين" في إنتخابات نيابية قد لا تحصل في موعدها، فإن "الحكيم" سيجد نفسه عاجزاً عن إستثمار ذاك الفوز المُفترض.

من هنا تجري محاولة ضم "القوات" إلى الحكومة العتيدة. فهل يُصار الى الإستعانة بعواصم عربية لدفع "الحكيم" نحو تلك المشاركة؟. يبني بعض المطّلعين آمالاً في هذا الشأن، وتتردد معلومات غير مؤكدة عن أن زيارة الحريري الى عواصم خليجية حالياً تسعى لتحقيق الهدف ذاته، بإعتبار أن ابوظبي والرياض يستطيعان إقناع "الحكيم"، إذا أرادتا، بأي خطوة في هذا الشأن، رغم أن "الشيخ سعد" وضع زيارته الخارجية في إطار "العائلية".

فهل تتحقق مشاركة "القوات" في الحكومة العتيدة؟ وفي حال حصلت، ما هي خريطة التأليف الجديدة في ظل مطالب تتوسع عن إشراك محازبين سياسيين بتركيبة الحكومة، خصوصا أن هناك من يقلل من فعالية وزراء اختصاصيين في ظرف لبناني صعب يتطلّب اوزانا سياسية فعالة لا وزراء من دون لا خبرة سياسية ولا قرار.