ساعاتٌ قليلةٌ ويسدل العام 2020 آخر أوراق "رزنامته" الكارثيّة محلّياً وعربيّاً وعالميّاً، ليفتح أبواب عامٍ جديد لا يتمنّى أحدٌ، في ​العالم​ بأسره ربما، أن "يشبه" سابقه بشيءٍ، في الشكل والمضمون، حتى أنّ عبارة "تنعاد عليكم" المعتادة، تبدو من "المحظورات" هذا العام.

وإذا كان هذا "لسان حال" مواطني مختلف دول العالم، الذين عانوا الأمرَّيْن من وباءٍ غير مسبوق، وما خلّفه من تداعيات اقتصاديّةٍ هائلة، فإنّ الأوْلى أنّ ال​لبنان​يين يقفون في مرتبةٍ "متقدّمة"، بعدما شهدوا على عامٍ يرقى ليكون "الأسوأ" منذ أيام ​الحرب اللبنانية​.

فمن ​الأزمة​ ​الاقتصاد​يّة والماليّة التي انطلق العام على وقعها، بعد انتفاضةٍ تأمّل بها خيراً، فإذا بها تسرّع في "الانهيار الحتميّ"، إلى ​انفجار​ الرابع من آب الرهيب والمشؤوم، والذي بدّد كلّ الأحلام والطموحات، بقي "الفراغ الشامل" عنوان العام على كلّ الصُّعُد والمستويات...

فراغ سياسيّ

بعيداً عن الاقتصاد والأمن، قد يكون من الممكن إطلاق وصف "الفراغ" كعنوانٍ شاملٍ للعام 2020 على المستوى السياسيّ، عنوانٌ قد يكون كافياً للتدليل عليه، أن يعود المرء بالزمن 365 يوماً للوراء، يوم ودّع لبنان عاماً من دون حكومةٍ أصيلة، الأمر الذي يتكرّر بحذافيره اليوم، بوجود رئيسي حكومة شبه معتكفيْن، واحدٍ مكلَّف افتراضياً وآخر مصرِّفٍ نظريّاً.

يعني هذا الأمر أنّ ​الحكومة​ التي كان يُعمَل على تشكيلها قبل عام لم "تصمد" لعامٍ واحدٍ، مع تسجيل "مفارقةٍ" لافتة، أنّ العناوين التي أطلِقت على الحكومة يومها، تُطلَق نفسها اليوم على تلك الموعودة والمُنتظَرة، لجهة المهمّة "الإنقاذيّة" التي تقع على عاتقها، والورشة "الإصلاحيّة" التي ينبغي أن تتصدّى لها، من دون أن ننسى "الاختصاصيّين" الذين يجب أن تتألّف منهم.

ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، فالسجالات والمناوشات التي بدأ بها العام، على وقع مفاوضات ​تأليف الحكومة​، تكاد تكون نفسها تلك التي تُستنزَف اليوم، باختلاف "الشكل"، الناتج عن هوية "المكلَّف"، فالبحث عن الخطّ الفاصل بين "الاختصاصيّين والتكنوقراط والسياسيّين" لا يزال محور النقاشات، مثله مثل الغوص في أعماق "​المحاصصة​" التي تمّ تكريسها نهجاً لا ثاني له في كلّ الحكومات، "وعلى رأس السطح".

بيد أنّ "الفراغ" الذي يعكسه غياب الحكومة، وتكرار نفس المفردات، لا يقتصر على ذلك، بل يكاد يشمل كلّ شيء، إذ يكاد الجميع يتّفق على أنّ ​العام الجديد​ لن "يرِث" شيئاً من الذي سبقه سياسيّاً، فلا "إنجازات" سُجّلت ولا من يحزنون، حتى أنّ الهيكلية الحزبيّة داخل القوى السياسية تكاد تكون نفسها، من دون أيّ تغييرات لا شكليّة ولا جذريّة، في انعكاسٍ ربما للواقع العام، الذي يجعل من 2020 مجرّد عامٍ "ضائع" من حياتنا.

"قرف وأكثر"!

ما سبق ليس "جردة" بأحداث العام، الذي لم يحمل شيئاً أصلاً سوى "الكوارث"، بدءاً من ​فيروس كورونا​ الذي تفشّى ولا يزال، وقَلَب حياة الناس رأساً على عقب، وجاء ليضاعف الأزمة الاقتصادية والماليّة التي كان لبنان يعيش إرهاصاتها، إلى انفجار المرفأ الذي لم يعد لدى أحدٍ من بعده الرغبة، أو القدرة، على الصمود والاستمرار، سوى الطبقة السياسية التي لم تحتج لأكثر من بضعة أيام لاستكمال ممارساتها، كأنّ شيئاً لم يكن.

لكن، بعيداً عن أيّ "جردة"، قد يكون من المفيد مع نهاية العام، الاستماع إلى "نبض الناس" الفعليّ، الذين تعبوا وسئموا، وباتت تنتابهم نوبات من "القرف والاشمئزاز"، بمُعزَلٍ عن كلّ الانتماءات السياسية والطائفية والمذهبية، التي حاول البعض إلصاقها بهم على مدى سنوات طويلة، وخصوصاً بعد جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق ​رفيق الحريري​ في العام 2005، علماً أنّ هناك من يعتبر أنّ هذا العام كان "مفصليّاً" كما الـ2005.

باختصار، لا يتذكّر الكثير من اللبنانيين من هذا العام، سوى "نقزة" الانفجار الرهيب في الرابع من آب، التي لا يبدو أنّها ستفارقهم عمّا قريب، بعدما أحدثت "صدمةً نفسيّة" لدى الكثيرين منهم، قد لا يكون تجاوزها يسيراً، ولا يتذكّرون سوى الأحبّة والأصدقاء الذين غادروا بعدما فُتِحت أبواب ​الهجرة​ على مصراعيْها، ولم يبقَ من ​الشباب​ سوى قلّة ممّن لا يزالوا "مؤمنين" بالبلد، فيما فرّ آخرون كثُر، وبعضهم من دون تأمين موْرد رزق بديل، على اعتبار أنّ أيّ شيءٍ خارج هذا البلد سيوفّر لهم الأمان الذي يفتقدونه هنا.

يتذكّر ​اللبنانيون​ أيضاً "همّاً" جديداً أضيف إلى "همومهم" هذا العام، مرتبط بسعر الصرف، بعدما عاشوا سنوات طويلة على "أكذوبةٍ كبيرة" عنوانها "ثبات السعر"، فإذا به يحلّق في أشهرٍ قليلة، مع تسجيل "أسعار صرف" بالجملة، بين "​الدولار​ واللولار وسعر المنصّة والسوق السوداء" وغيرها، ولا ينسون بطبيعة الحال "جنى عمرهم" من "الودائع" التي أضحت "حبراً على ورق"، دون أن يجدوا من يفسّر لهم كيف حصل ما حصل.

"جحيم"!

من باب الطرفة والدعابة، يقول اللبنانيون لبعضهم بعضاً، في مناسبة الأعياد، "إن شاء الله ما بتنعاد عليكم". لا يقصدون بذلك أن تكون هذه ​السنة​ هي "نهاية العالم"، كما يحلو للبعض تفسير "الكوارث والمؤامرات"، لكنّهم يقصدون ببساطة أن لا يعيش أحد "الجحيم" الذي طبع هذا العام مرّةً أخرى، مهما كان الثمن.

قد يكون ذلك مفهوماً، لأنّ هذا العام لم يكن طبيعيّاً ولا عاديّاً على العالم كلّه، واللبنانيين في الطليعة، ولأنّ الخسائر التي حملها هذا العام على المستويات الشخصية والاقتصادية والصحية والسياسية، أكبر من أن تُفسَّر، وقد لا يكون "تعويضها" مُتاحاً أصلاً في ​المستقبل​ القريب.

لكنّ المشكلة الأكبر، أو "العقدة" التي لا يريد بعض اللبنانيين أن يروها، تكمن في أنّ "الكابوس" لن ينتهي بصورةٍ تلقائيّة في منتصف هذه الليلة، كما يمنّي كثيرون النفس، بل إنّ كلّ المؤشرات تدلّ على أنّه "صامِدٌ" حتى إشعارٍ آخر، قد لا يكون قريباً، وللحديث تتمّة...