منذ ما قبل ​الإنتخابات الرئاسية الأميركية​، توحي جميع المعطيات بأن غالبية المسؤولين اللبنانيين لا يريدون ​تشكيل الحكومة​ العتيدة، رغم الإنهيار الحاصل على كافة المستويات المالية والإقتصادية والإجتماعية والصحية، الأمر الذي يدفعهم في كل يوم إلى خلق الأعذار المختلفة، والتي كان أشهرها إنتظار نتائج تلك الإنتخابات التي أفرزت فوز المرشح الديمقراطي ​جو بايدن​.

في الوقت الراهن، لا يتوافق الأفرقاء اللبنانيون على الأسباب التي تحول دون ولادة الحكومة، البعض لا يزال يضع الأمر في إطار العراقيل الخارجية، حيث المطلوب قبل الذهاب إلى أي خطوة داخلية أن تكون الصورة الإقليمية واضحة، بينما هناك من يرى أن الأسباب داخلية تتعلق بالصراع على الحصص والمكاسب.

بغض النظر عن الأسباب، ترى مصادر سياسية مواكبة، عبر "النشرة"، أن النتيجة واحدة، وهي عدم تأليف حكومة لبنان بأمس الحاجة إليها بالأمس قبل اليوم، في حين أن العراقيل لا تزال تزاد يوماً بعد آخر، خصوصاً أنها دخلت في إطار الخلافات الشخصية بين المعنيين الأساسيين، أي رئيسي الجمهورية ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عمّا إذا كانت هذه الحكومة، في حال تشكلت أصلاً، ستكون منتجة.

في هذا الإطار، تستغرب هذه المصادر السجالات التي تفتح بين الحين والآخر حول أمور ليست من أولوية المواطنين في هذه المرحلة، مثل النقاش في القانون الذي ستجري على أساسه الإنتخابات النيابية المقبلة أو دور المجلس الدستوري في تفسير الدستور من عدمه، وتسأل: "هل يدرك هؤلاء وجود مصابين ب​فيروس كورونا​ المستجد لا يجدون سريراً لهم في المستشفيات، أو يعلمون الواقع المعيشي الذي يمر به المواطنون نتيجة الإنهيار الحاصل في سعر صرف الليرة"؟.

إنطلاقاً من ذلك، تؤكد المصادر نفسها أن من الصعب تشكيل الحكومة في المدى المنظور، حتى بعد تسلم إدارة بايدن السلطة، نظراً إلى أن التعقيدات الداخلية باتت أصعب من الماضي، خصوصاً مع دخول عوامل المعايير الطائفية والمذهبية عليها، الأمر الذي يعني السعي إلى شد العصب في الشوارع المنقسمة على بعضها البعض، وبالتالي تجاهل أساس الأزمات التي تعاني منها البلد، وهو ما ترجح أن يبقى مستمراً حتى موعد الإنتخابات النيابية المقبلة، خصوصاً أن غالبية القوى السياسية ليس لديها مشاريع تتنافس على أساسها.

من وجهة نظر المصادر السياسية المواكبة، تظهر القوى السياسية اليوم أنها مستعدّة للمخاطرة بكل شيء لضمان بقائها في مواقعها، حتى ولو كان ذلك على حساب الإستقرار المحلّي الهش، حيث أن أولويات كل منها ليس معالجة الأزمات بل تحقيق المزيد من المكاسب على حساب باقي الأفرقاء، وتضيف: "لو كانت النوايا صافية فإن تشكيل الحكومة لا يحتاج إلى أكثر من 48 ساعة، لكن بات من الواضح أن المطلوب هو في مكان آخر".

في المحصّلة، تعرب هذه المصادر عن مخاوفها من أن يكون ما يحصل على المستوى الحكومي له أهداف أخرى، بات يتمّ التلميح إليها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، تتعلق بشكل النظام القائم منذ ما بعد ​إتفاق الطائف​، لا سيّما أن ركائز ذلك الإتفاق سقطت على عدّة مراحل، وتسأل: "هل باتت الأولويّة اليوم عند معظم الأفرقاء السعي إلى إعادة رسم موازين القوى في النظام السياسي بدل الإهتمام بأولوياّت المواطنين المعيشيّة والصحّية"؟!.