إحدى الصحف اليومية ذات المنحى المذهبي، اوردت خبرا ان رؤساء الحكومات السابقين هم في صدد تكثيف المشاورات مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ​وليد جنبلاط​ لمواجهة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لـ"زركه" واحراجه، وتقييده، وتجريعه الحلول المرفوضة منه ل​تشكيل الحكومة​ العتيدة ولو كانت سُمّا.

ان ما طرحته هذه الصحيفة كان يصح، لو كان ذلك في بلد غير ​لبنان​، او على الاقل في زمن غير هذا الزمن الذي باتت المذهبية‐لا الطائفية فحسب‐سمته. فكل الطوائف في لبنان انطوت على ذاتها، وانكفأت عن خطابها القومي والوطني. وهل يخطر على بال احد ان تصل العلاقة بين الطائفتين السنية والشيعية الى هذا الدرك من التدهور، والحساسية الولاّدة للنزاعات، حيث ارتفعت عاليا المتاريس السياسية، والخوف ان تتحول الى نوع آخر من المتاريس التي قد تضع البلاد على فوهة بركان محتمل.

مصادر رئاسة الجمهورية تؤكد ان لا تفريط بما تبقى من صلاحيات، وان من يريد لرئيس الجمهورية من القيادات الروحية والسياسية المسيحية ان يكون باشكاتبا، فليعلن ذلك جهارا، بل ان يكتب في هذ الشأن، وان يتحمل مسؤوليته امام الرأي العام اللبناني، فلا يقع اللوم في نهاية المطاف على الرئيس.

اما اسقاط رئيس الجمهورية، او تطويقه لدفعه الى استقالة طوعية، فيبدو ان من يتولى تسويق هذه الفكرة هو مراهق سياسي، او خبيث يرمي الى افتعال ازمة كبيرة لا سقف لها ولا قرار.

من هنا يبدو التواضع من الجانبين ضرورة واجبة، للخروج من النفق الطويل. لان لا رئيس الحكومة المكلف يستطيع كسر رئيس الجمهورية، ولا الثاني يستطيع حذف ​سعد الحريري​ من المعادلة طالما انه الاقوى سنيا. وبالتالي، فان الحرص على الميثاقية يجب ان يكون متبادلا. على ان الفيديو المسرب من القصر الجمهوري، يجب الا يعطل عملية البحث عن حل متوازن، وليس فرض الحل، وان حرص البطريرك الماروني و​حزب الله​ على ضرورة الاسراع في تشكيل الحكومة وتدوير الزوايا، لا يعني انهما في مواجهة الرئيس ويريدان معاقبته، كما ذكرت احدى الصحف.

ايام ويمضي الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، ومسوق غسيله الوسخ المتصهين جورج بومبيو، وتتبدل المناخات بما يسمح للطابخين بالتحرر من كثير من القيود التي كانت تحول دون التمكن من استيلاد حكومة واقعية تستجيب لمتطلبات لبنان في هذه المرحلة. لقد ولى الزمن الذي كان يتقدم فيه رئيس للجمهورية باستقالته خوفا من شارع مجيّش كما فعل بشاره الخوري. بعد تجربة الاخير حرص خلفاؤه على عدم تكرارها، فلا كميل شمعون استسلم للمقاومة الشعبية، وهو في قصر القنطاري وسلم لها في العام ١٩٥٨، ولا الرئيس ​سليمان فرنجية​ انصاع للعريضة النيابية المطالبة باستقالته، ولا اخافه القصف الذي استهدفه في قصر بعبدا ١٩٧٦، وظل حتى آخر لحظة من ولايته. ولا الرئيس ​امين الجميل​ ذعر من محاولات الجيش الشعبي بقيادة وليد جنبلاط اختراق جبهة سوق الغرب لاسقاطه او لطرده منه في العامين ١٩٨٣ و١٩٨٤. ولا الرئيس ​اميل لحود​ ارتعد من التظاهرات وحملة "فل" بعيد استشهاد ​رفيق الحريري​، والمطالبة بتنحّيه. وبطبيعة الحال، فلا يختلف ​الرئيس ميشال عون​ عن اسلافه الذين تعرضوا للاختبار نفسه.

من هنا، فان الاحلام التي تغذي الاوهام، ستبقى في ضمير التمنّي.