لم يعبأ رئيس حكومة تصريف الاعمال ​حسان دياب​ ب​الاقفال العام​ المفروض في ​لبنان​، ولم ينتظر ارسال طلب للحصول على اذن للخروج، فالقانون يسمح له بالتحرك دون هذه الاجراءات، ولكن الاهم ان السحر فعل فعله في لبنان. قبل 24 ساعة من تحرك دياب المكوكي، تمّ ​الاعلان​ عن ان رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ ادار محركاته الحكوميّة، وفجأة انطلق رئيس حكومة تصريف الاعمال في مهمة لم تخطر على بال احد وهي "الوساطة" بين الافرقاء، وكأنه اوصل "ديليفري" الى المسؤولين المعنيين في ظلّ الحجر التام الصحي والسياسي المعمول به. ولكن، كيف لدياب ان يكون وسيطاً؟! علماً ان العلاقة مع بري معروفة ويكفي ذكر كل ما قيل عن ان رئيس مجلس النواب كان احد الاسباب الرئيسية في ​استقالة​ الحكومة، اما مع رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، فلم يسجّل سوى خرق وحيد عندما زار الحريري السراي الكبير للدفاع عن مركز ​رئاسة الحكومة​ بعد قرار ​القاضي فادي صوان​ بالنسبة الى كارثة الانفجار في ​مرفأ بيروت​، وبخلاف ذلك ليس معروفاً علاقة الودّ والغرام بين الرجلين بل عكس ذلك تماماً. وفي ما خصّ العلاقة مع ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​، فهي في افضل الاحوال...عادية، فكيف تحوّل دياب بين ليلة وضحاها الى "الوسيط" الذي تقع عليه مهمة تقريب الاضداد بين المسؤولين وبالتحديد في ملف بالغ التعقيد ك​تشكيل الحكومة​؟.

الجواب انه لا يمكن حصول ذلك دون "دفعة" من أحد، وفي هذه الحالة بالتحديد من بري الذي رأى في دياب حلاً يمكن ان يسرّع خطى الواقع الحكومي، ويبدو ان رئيس الحكومة المستقيل لم يتأخر في التجاوب مع هذه الرغبة لعلمه بأنه لم يعد لديه ما يخسره، بل على العكس، من شأن هذا الامر ان ينفض الغبار عن مستقبله السياسي، فيحفظ مكانة ولو متواضعة بين اللاعبين اللبنانيين، ويعزز موقعه في وجه الاتهامات التي تطاله من ​القضاء​. ولعل وقوع الاختيار على دياب، رغم عدم قربه من الذين التقاهم على عكس ما يفترض بأي وسيط ان يكون عليه، مردّه الى منصبه الذي يخوّله القيام بهذه الجولات، اذ لا يجوز للمدير العام للامن العام ​اللواء عباس ابراهيم​ لعب هذا الدور علناً لان منصبه لا يخوّله ذلك، كما ان ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​ لا يمكنه لعب هذا الدور بعد ان اقتصر تحركه على محاولة عقد لقاء بين عون والحريري لم يكتب له النجاح، ومع استبعاد رئيس ​التيار الوطني الحر​ ​جبران باسيل​ من هذه المعادلة، لم يبقَ في الميدان الا حسان دياب، الذي يمكن الاستفادة ايضاً من حادثة حصلت كان حاضراً عليها وهي الفيديو الذي تم تناقله عمّا قاله عون عن الحريري وادّى الى اتساع الهوة بينهما، فيكون دياب الذي كان سبب كلام عون (بشكل غير مباشر) لانه سأل عن الوضع الحكومي والتشكيل، الشخص المناسب للعب دور تقريب الرجلين من بعضهما مجدداً.

في المبدأ لا تدور محرّكات بري من دون معطيات جديدة، ولكن الغموض لا يزال يلفّ هذه المعطيات ومصدرها لانّ ​الادارة الاميركية​ ​الجديدة​ تحتاج الى بعض الوقت للانطلاق بمهامّها الدولية، والمبادرة الفرنسية لا تزال تنتظر في الثلاجة من يمدّها بالاوكسجين، وليس من المعقول ان تكون جولة الحريري العربيّة الاخيرة قد اعطت ثمارها بهذه السرعة لانّ العرب ينتظرون بدورهم ​الضوء​ الاخضر من الدول الكبرى وفي مقدمها ​الولايات المتحدة الاميركية​. هناك من يقول انه تمّ اعطاء "موافقة مبدئيّة" اميركية للانطلاق في مسعى جديد لتسهيل تشكيل الحكومة، ولكن هذا الكلام يبقى في اطار القلق والخوف لانّ "الموافقة المبدئية" هي على غرار ما كانت تقوم به ​المصارف​ عند درس طلب ​الدين​ المقدّم من المواطنين. وعليه، إن صحّت هذه الموافقة الاميركية، يفترض ان تسير وفق شروط على قاعدة لا غالب ولا مغلوب وهو عامل لا يزال غير متوافر حتى هذه اللحظة. اعلن دياب عن لقاء مرتقب بين عون والحريري يحدّدانه معاً، وهذا إن دلّ على شيء، فعلى ان المعطيات الجديدة كسرت جدار الثلج، دون ان يتمّ التأكّد من قدرتها على هدمه أم لا، وتبقى العبرة فيما ستحمله الايام المقبلة من وقائع يأمل ​اللبنانيون​ ان تكون ايجابيّة بالنسبة اليهم للخروج من دوامة صحية-اقتصادية-مالية طال أمدها في لبنان.