عندما إندلعت الأحداث السورية عام 2011، أظهرت المحطّات وقتها أن الأميركيين كلّفوا الأتراك بإدارة جبهة المعارضة لخلخلة الدولة السورية تحت عنوان "إسقاط النظام". إندفع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لتحقيق هدف إزاحة ​الرئيس السوري​ ​بشار الأسد​ وفرض "​الإخوان المسلمين​" مكانه. يومها تدرّجت أنقره عبر ​أردوغان​ ووزير خارجيته أحمد داود اوغلو في اللعب على المسرح السوري، اولاً عبر محاولة إقناع الأسد بإشراك "الإخوان المسلمين" في ​السلطة​ التنفيذية، ثانياً من خلال السعي لإقناع ​طهران​ بأهمية فرض الجماعة المذكورة في دمشق، ثالثاً من خلال تبني تأسيس جسم معارض موحّد يستلم السلطة السورية بالكامل، رابعاً -هو العامل الأخطر- تجلّى بعسكرة المسرح السوري عبر تركيا التي تحاذي ​سوريا​ بحدود ٨٠٠ كلم تقريباً. رفض الأسد كل العروضات، والمحاولات، وصمدت الدولة السورية في أعنف مواجهات سياسية وعسكرية طيلة سنوات عدة.

كانت ​واشنطن​ تشجّع كل حلفائها الغربيين والعرب أجمعين على حضانة الدور التركي في سوريا، نتيجة وجود تفاهم بين الإدارة الأميركية آنذاك و"الإخوان المسلمين". كان يلعب الرئيس الحالي للولايات المتحدة جو بايدن دوراً يقوم على أساس معادلة: فليتسلّم الإسلام السياسي السلطات ولينفّذ ما يريده الأميركيون. كان بايدن يشير حينها الى تركيا التي يحكمها "نيو إخوان" عبر أردوغان وهي عنصر أساسي في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ومتحالفة مع قطر التي تحضن قيادات وسياسات حركات "الإسلام السياسي" ذاتها. دعم الأميركيون "الإخوان" في ساحات عربية عدّة: ليبيا، تونس، مصر، سوريا. بالفعل، لم يرفع "الإخوان المسلمين" اي شعار ضد إسرائيل، لأن أولوياتهم إنحصرت في الوصول الى السلطات واستلام زمام الدول الإسلامية بدعم أميركي مفتوح.

تغيّرت السياسات الأميركية بعد تجارب "الإخوان المسلمين" الفاشلة، ولمع نجم الحركات الإسلامية الأكثر تطرّفاً من "الإخوان" كحال "جبهة النصرة" وهي واجهة تنظيم "القاعدة"، وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"(داعش). تراجع وهج "الإسلام السياسي" التقليدي، لصالح التطرف الذي أخاف الشعوب. ومما زاد في أزمة "الإخوان" هو تراجع الإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب عن دعم حركات إسلامية، وإبقاء "شعرة معاوية" بين واشنطن وبينهم عبر قطر بشكل رئيسي التي إنصرفت لتنظيم مصالحة بين حركة "طالبان" الأفغانية والأميركيين.

الآن يعود الديمقراطيون الى إمساك لعبة القيادة الاممية، عبر بايدن نفسه الذي كان يجتمع مع "الإخوان" ويدوزنهم لفرض مصالح بلاده في مساحاتهم. فهل سيعود يسطع نجم "الإسلام السياسي"؟.

لن تستطيع الإدارة الأميركية بعثرة أوراقها في كلّ الساحات الدولية، في زمن ستتفرغ فيه لإتجاهين: أولاً، إهتمام داخلي كبير نتيجة وجود قلق من حالة شعبية ترامبية واسعة، على وقع أزمات صحية وإقتصادية في الولايات الأميركية ترثها الإدارة الحالية. ثانياً، إعادة تجميع حلفاء واشنطن وتفعيل العولمة التي تقودها الولايات المتحدة بعدما نسفها ترامب في السنوات الماضية.

لن يكون بمقدور بايدن العودة الى عام 2011 في سوريا، لقد فشلت الخطة السابقة، ويعترف روّاد الحزب الديمقراطي في كتاباتهم أن صفحة إسقاط الرئيس السوري طُويت، بينما بدأت الأصوات ترتفع بوجوب رفع العقوبات التي فرضتها واشنطن على دمشق، "لأن تلك العقوبات ليست انسانية، ولم تحقّق أهدافها". لا بل على العكس، فإن تلك العقوبات سمحت لروسيا أن ترسّخ دورها في سوريا، وهو ما لا تقبل به الولايات المتحدة الأميركية. من هنا يتم التداول بين فريق بايدن منذ أيام بوجوب التدرّج في رفع العقوبات عن سوريا لأهداف إنسانية، في وقت ستُقدم فيه واشنطن لإعادة تفعيل الإتفاقيات في الإقليم، ومنها مع إيران. متى؟ كيف؟ فلننتظر ما ستحمله الأسابيع المقبلة من تغييرات أميركية واسعة.