فتحت التحركات الشعبية التي شهدتها العديد من المناطق، في الساعات الماضية، إعتراضاً على تردّي الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة وتمديد ​الإقفال​ العام، حتى الثامن من شباط المقبل، الباب أمام مجموعة من التساؤلات حول ما إذا كانت ذات أهداف سياسية أو فقط ذات طابع معيشي بحت، لا سيما أنّها في الصورة العامة اقتصرت على المناطق ذات الأغلبية السنّية: طرابلس، صيدا، برجا، بعض المناطق في البقاع، بعض أحياء العاصمة بيروت.

قد يكون من المفهوم أن تسارع بعض القوى السياسية إلى ربط تلك التحركات بالوضع السياسي المعقّد، لا سيّما على مستوى ​تأليف الحكومة​ العتيدة، بسبب إرتباط بعض التحركات السابقة بمثل هكذا ملف، إلا أنّ ذلك لا ينبغي أن يدفع إلى تجاهل الواقع المعيشي الصعب الذي تعاني منها مئات الآلاف من الأسر اللبنانية، في حين تعجز السلطات المعنيّة عن تقديم الحدّ الأدنى من المساعدات "البحصة الّتي تسند خابية" المواطنين والمؤسسات الإقتصادية على الصمود.

هنا، يبرز سعي الكُثُر إلى الحديث عن أن وقوف تيار "المستقبل" أو رجل الأعمال ​بهاء الحريري​ وراء هذه الإحتجاجات، حيث من المحتمل أن يكون هدف الأول الضغط بإتجاه رضوخ رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ للصيغة الحكوميّة التي كان قد تقدم بها رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، في حين من المرجّح أن يكون هدف الثاني الإستفادة من هذا الواقع لتعزيز حضوره على الساحة السنية، في إطار المنافسة التي يخوضها مع شقيقه.

في المقابل، البحث في ظروف تلك المناطق، لا سيما ​مدينة طرابلس​ بشكل خاص، من المفترض أن ينطلق من الواقع المعيشي فيها، نظراً إلى أن حالة الفقر التي تعاني منها المدينة، التي تعتبر الأفقر على ساحل البحر المتوسط، قد تكون محفّزاً على إنطلاق تحركات شعبية في أيّ وقت، وقد جاء الإقفال العام ليزيد من تعقيد الأمور، خصوصاً أنّ المساعدات، التي يتم الإعلان عنها، لا تصل بالشكل المطلوب أو أنّها غير كافية.

وبالتالي السؤال السؤال لماذا لم تتحرك الجماعات قبل ذلك، بغضّ النظر عن الطابع العنفي المستنكر الذي تتخّذه الإحتجاجات، لا لماذا تتحرك، والمعالجة توجب البدء من البحث في كيفية حلّ المشاكل التي تعاني منها المدينة أو مساعدة أبنائها على الصمود، لا التباهي بأن لبنان من أوائل الدول التي تنفّذ إجراءات قاسية في مواجهة ​فيروس كورونا​، خصوصاً أن الواقع قد يمتد إلى العديد من المناطق الأخرى التي تعاني من الظروف نفسها، مع العلم أن حالات التفلّت من الإجراءات تزداد يوماً بعد آخر.

من هذا المنطلق، يلزم التعاطي مع هذه التحركات على أساس أن المحرك الأساسي لها هو الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، التي من الممكن إستغلالها من قبل العديد الجهات المحلية والخارجية، لا سيما أن البيئة السنية تفتقد إلى الحدّ الأدنى من مبادرات الرعاية الإجتماعية الموجودة في البيئات الأخرى، الأمر الذي يتحمّل مسؤوليته من يعتبرون أنفسهم كممثلين لهذه البيئة، خصوصًا أن أغلبهم من الأكثر ثراء على مستوى المنطقة العربيّة.

في الوقت الراهن، بدأت العديد من الشخصيات المعنيّة بقرارات الإقفال الحديث عن أن المطلوب تمديده إلى ما بعد الثامن من شباط المقبل، غير آبهة بحالة الغليان القائمة في الشارع أو بالواقع الذي يعاني منه معظم المواطنين، مع العلم أنّ وزير الشؤون الإجتماعية في حكومة تصريف الأعمال رمزي مشرفيّة هو من أعلن، قبل أيّام، أن 75% من اللبنانيين باتوا بحاجة للحصول على المساعدات، وكأنّ المطلوب وضع القوى الأمنيّة في مواجهة الّذين يريدون البحث عن كيفيّة تأمين لقمة عيشهم، في ظلّ العجز القائم على المستوى الرسمي، أو فتح الباب أمام محاولات إستغلالهم.

في المحصّلة، قبل توجيه الإتّهامات إلى المواطنين بالتهوّر أو المغامرة أو الحديث عن إستغلال أو رسائل سيّاسية، من المفترض سؤال المعنيين عمّا يقومون به لتفادي الأسوأ، خصوصاً أن التجربة منذ أكثر من عام حتى اليوم لا تبشّر بالخير.