لأنّ المحبّة الطّبيعيّة مزروعة في قلب ​الإنسان​يّة، فهي وحدها قادرة على بناء الإنسان، بعد تساقط القوانين الوضعيّة أمام مصالح الغرائزيّة الذّاتيّة الّتي انتجت حالة من الفوضى العارمة، على أصعدة ​الحياة​ كافّة. فهل من طرائق تعيد إلينا التّناغم المطلوب من أجل حياة أفضل؟.

يستحضرني ​العالم​ القديم الّذي وصف حالة الفوضى، في الأساطير الإغريقيّة، بما يعرف بــ"كاوس "chaos"، وهي الثّقب الأسود، أي الهوّة السّحيقة، كبئر بلا قاع وبلا نهاية. فمن يقع فيه لا يقدّر له على التّوقّف عن السّقوط، بمعنى أنّ الفوضى هوّة لا نهائيّة، فمن يتردّى فيها لن يتوقّف أبدًا عن السّقوط. تجسّد هذه الأسطورة حالة الإنسان المعاصر، على جميع المستويات: الصّحيّة، والسّياسيّة، والعاطفيّة، كما الاقتصاديّة. كأنّ الإنسان عامّة، واللّبنانيّ خاصّة، يقع في الثّقب الأسود، من دون قدرة على الخروج، مع نوستالجيا العودة إلى التّناغم المفقود-حلم بلا أفق.

للتّحرّر من هذه الفوضى، نستأنف إكمال الأسطورة الّتي كتبها هزيود، في القرن السّابع ما قبل ​الميلاد​، في "نشأة الآلهة"، فما كان من أمل بالنّهوض، إلّا من خلال الأعجوبة، وسمّيت "بالمعجزة اليونانيّة".

الكبوة الّتي كبوناها بسبب الفوضى الّتي تحاصرنا، أو الثّقب الأسود الّذي نحن ساقطون فيه، لا سبيل إلى الخلاص منه إلّا بمعجزة ونعمة، كما في حالة الأسطورة، وتفترض نعمة إلهيّة! وبحسب نظريّة القدّيس توما الأكويني فإنّ النّعمة تفترض طبيعة منفتحة لقبول تلك المعجزة المنتظرة. بيد أنّ طبيعتنا الهشّة تفرض علينا الانفتاح على النّعمة الأولى الّتي نفخها الله فينا، وهي المحبّة. و"الله محبّة" وحبّ؛ والحبّ يشرق بالأمل، والأمل يتجلّى بالرّجاء. إذًا، فرجاؤنا وأملنا بالحبّ هما الّلذان يجمّلان الوجود، والحبّ يفرض التّناغم المطلوب، من أجل حياة أفضل.

ولئن كان عيد الحبّ، في الآونة الآخيرة، قد أخذ منحًى إنسانويًّا، وشعوريًّا، وتجاريًّا، إلّا أنّه ما زال يستدعينا إلى التّأمّل بطرائقه الخلاصيّة. فجوهر الحبّ تضحية وألم وولادة، بيد أنّ أجمل ما قيل في الحبّ لا يوازي قول السّيّد المسيح: "ما من حبّ أعظم من أن يضحّي الإنسان بنفسه في سبيل أحبّائه". نعم، إنّ الحبّ يكمن في كلّ القيم الإنسانيّة الرّاقية، كما الإلهيّة. لعلّ هذا ما جعل القدّيس أغسطينوس يقول: "أحبّ وافعل ما تشاء" مُنصِّبًا الحبّ فوق كلّ قانون وضعيّ، وطبيعيّ، وإلهيّ…

فلنثورنّ ثورة الحبّ في عيد الحبّ، من أجل بناء وطن جديد، وإنسان جديد، حيث لا خيانة، ولا فساد، ولا أنانيّة، ولا تكبّر أو تجبّر… بل، فلينصهر، في معجن الحبّ، الأنا بالأنت، لتولد فينا الـ"نحن" المتناغمة.