طوال الأشهر الماضية، ظنّ الكثيرون بأن القوى السياسية المحلية، بعد السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، لم تعد قادرة على الإستمرار بالنهج نفسه، بالنظر إلى حجم الغضب الذي عبّر عنه الآلاف من المواطنين في الشارع، رفضاً للسياسات التي قادت إلى الإنهيار المالي والإقتصادي والإنفجار الإجتماعي، خصوصاً أن الغالبية منها عمد إلى الترويج لنظرية الدخول في عملية مراجعة لسياسته في المرحلة الماضية، لقراءة الرسالة الشعبية بشكل أفضل.

منذ ذلك الوقت، تلقت تلك القوى التحذيرات الخارجية بعدم القدرة على الإستمرار بالنهج نفسه، خصوصاً من الدول والمؤسسات التي من المفترض أن تقدم ​مساعدات​ للخروج من الأزمة، حيث ربط هذا الأمر بالذهاب إلى تشكيل ​حكومة​ من نوع جديد والقيام بمجموعة واسعة من الإصلاحات. لكن على أرض الواقع يبدو أن تلك القوى لم تتعلّم من التجربة، أو أنها تراهن على قدرتها بالالتصاق في موقعها مهما كانت التداعيات.

في هذا السياق، يمكن تسجيل مجموعة واسعة من الفضائح التي برزت في الأشهر الماضية، كان آخرها ما حصل بالنسبة إلى تلقي مجموعة من النواب اللقاح المضاد ل​فيروس كورونا​ المستجد، حيث كان اللافت ليس فقط إقدام هؤلاء على تلك الخطوة، بل القوّة التي كانوا يواجهون فيها الإنتقادات التي تعرّضوا لها. ليأتي بعد ذلك التبرير الأكثر وقاحة من وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال ​حمد حسن​، في مؤشر على عدم المبالاة بما يقوله المواطنون أو يعبرون عنه من آراء.

بالتزامن، يأتي التعامل مع الأزمة الحكوميّة المفتوحة، منذ تاريخ تسمية رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، حيث تستمر "المكابرة" والرغبة في ​المحاصصة​، بغض النظر عن التداعيات المترتّبة على التأخير الحاصل. وكأنّ البلاد لا تمرّ بأزمة غير مسبوقة يدفع ثمنها جميع اللبنانيين دون إستثناء، الأمر الذي يؤكد بأنّ تلك القوى تتعامل مع الملف كما لو أنها لا تزال عالقة في المرحلة الماضية.

في هذا الإطار، قد يظن الكثيرون بأن تلك القوى عاجزة عن الإنتقال إلى مرحلة جديدة، لكن ما يتأكد يوماً بعد آخر أنها غير راغبة في ذلك، نظراً إلى أنها مقتنعة بقدرتها على الإستمرار بالنهج نفسه مهما كانت التداعيات، مستغلّة الظروف الصعبة التي يمرّ بها المواطنون. فهؤلاء يتعاملون مع الأزمة على قاعدة إسكات المعارضين عبر توزيع مجموعة من الحصص الغذائية "الإعاشات"، وبالتالي تأمين إستمرار تأييدهم في المستقبل، أو في أسوأ الحال من خلال زيادة منسوب التوتر الطائفي والمذهبي، عبر إفتعال مجموعة من الصراعات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

بالنسبة إلى الضغوط الدولية التي تتعرض لها، يبدي حميع الأفرقاء قناعة كاملة بأنها ناجمة عن الصراع القائم بين اللاعبين الإقليميين والدوليين الفاعلين على الساحة المحلية. وبالتالي لا بأس من الإستمرار في حالة المراوحة طالما أن أحداً غير راغب في الذهاب إلى أي مغامرة بالإستقرار المحلّي، ما يعني أنهم سيحافظون على مواقعهم ليحين موعد التسوية الخارجية، التي ستفرض على الجميع دون إستثناء، بسبب إرتباط معظمهم بمحور أو دول خارجية لن تتخلى عن وكلائها في هذه الساحة.

في المحصّلة، البلاد أمام قوى سياسية تكابر وغير مبالية بما يحصل على المستوى الشعبي، بسبب قناعتها بالإستمرار في ضبط الأمور عبر وسائلها التقليدية مهما بلغت الأزمة من مدى، وبالتالي لا يمكن الرهان على ذهابها إلى أيّ خطوة مسؤولة تساعد في الحدّ من التداعيات السلبية في المرحلة المقبلة.