الرسالة الأساس من التحركات الإحتجاجية في الشارع هي عدم قدرة البلاد على الإستمرار في حالة المراوحة القائمة على المستوى السياسي، الممتدة منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019 نظراً إلى أن حكومة ​تصريف الأعمال​، برئاسة ​حسان دياب​، لم تنجح في ترجمة أي من الشعارات التي كانت تحملها، وبالتالي بات من الضروري البحث عن أيّ مخرج قبل فوات الآوان، خصوصاً أن التوتّرات الطائفية والسياسية الحالية تنذر بإمكانية خروج الأمور عن السيطرة في أي لحظة.

اللعب على كفّة حافّة هاوية الإستقرار قد يكون الأداة المستخدمة في الوقت الراهن لاستعجال التسوية السياسية، من خلال دفع القوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف اللبناني إلى التدخل سريعاً، خصوصاً أن أغلبها لا مصلحة له في الإنهيار الشامل، لكن السؤال الذي يطرح نفسه يبقى عن الخيارات الموجودة لدى الأفرقاء السياسيين، بعد أن أصبح محسوماً أن التأليف، في هذه اللحظة بالذات، هو أولوية، لا سيما أن المنطقة تعيش على وقع كباش من العيار الثقيل يسبق المفاوضات الأميركية–الإيرانية المنتظرة.

في هذا السياق، تشير مصادر مطّلعة، عبر "النشرة"، أن المفتاح اليوم هو بيد رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، لأنّه الوحيد القادر على تحريك الأوضاع السياسية، سواء بالإتجاه الإيجابي أو السلبي، الأمر الذي يرفضه للخروج من دائرة الإنتظار القائمة منذ لحظة تكليفه، وبالتالي المبادرة للقيام بالخطوة المنتظرة، أي ​تأليف الحكومة​، في حال كان يملك القدرة على ذلك، بالرغم من علامات الإستفهام الكثيرة التي تطرح حول مهمتها.

وتلفت هذه المصادر إلى أن أساس ترشيح الحريري نفسه، قبل تسميته من ​الكتل النيابية​، كان تشكيل حكومة مهمّة لمدة 6 أشهر، الأمر الذي لم يعد وارداً بسبب الفترة الطويلة التي شهدتها مرحلة التأليف في حين أن موعد ​الإنتخابات النيابية​ المقررة في العام 2022 يقترب، ما يعني أن البحث من المفترض أن ينتقل إلى مرحلة جديدة من المفاوضات، تقوم على أساس تغيير المهمّة التي يُفترض أن تنجزها الحكومة، في ظل المخاوف المتبادلة التي لدى مختلف الأفرقاء.

وفي حين تؤكد المصادر نفسها على أن الرهان على إنتاجية مثل هذه الحكومة، في ظل التناقضات الحالية، غير وارد على الإطلاق، ترى أن مهمتها الفعلية توجب تجنيب البلاد الدخول في آتون الفوضى الشاملة في الوقت الضائع، نظراً إلى أن الحلّ بات من الواضح أنه ينتظر التسوية الشاملة على مستوى المنطقة التي لا يمكن أن تحصل في الأشهر القليلة المقبلة، بالإضافة إلى العمل على الحدّ من سرعة الإنهيار الذي سيكون له تداعيات كارثيّة على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية أكثر مما هو حاصل راهنًا.

من وجهة نظر المصادر المطلعة، الخيار الثاني الذي قد يقدم عليه رئيس الحكومة المكلف هو الإعتذار عن التأليف، طالما أنه غير قادر على القيام بهذه المهمة في ظلّ الشروط التي يريدها، لا سيما أن المواطنين هم من يدفع ثمن لعبة العناد القائمة من لقمة عيشهم، وبالتالي إفساح المجال أمام إعادة الكرة إلى ملعب الكتل النّيابية، على إعتبار أن ليس هناك من حل دستوري آخر يمكن الذهاب إليه.

هذا الخيار، الذي تؤكد هذه المصادر أنه الأكثر واقعية في الظروف العادية، تعتريه العديد من المخاطر، أبرزها عدم قدرة الكتل النّيابية بالإتفاق على شخصية جديدة لتولّي المهمة، بالإضافة إلى توجه معظمهم إلى إعادة تسمية الحريري نفسه، أي عودة الأمور إلى المربع الأول من جديد، من دون تجاهل إمكانيّة أن يكون الهدف منه، في لحظة ما، زيادة الضغوط في الشارع، من دون تجاهل أن رئيس الحكومة المكلف نفسه قد لا يكون له مصلحة في الدخول بمغامرة من هذا النوع.

في المحصلة، تجزم المصادر نفسها بأن الحديث عن التسوية الشاملة غير وارد في الوقت الراهن، وبالتالي لا يمكن الإستمرار في حالة الإنتظار خصوصاً من جانب الحريري، الذي عليه أن يحسم خياراته، بين الذهاب إلى التشكيل شخصياً من ضمن تسوية مرحليّة، أو المساعدة في تغطية الأخيرة بإنتظار توفر الظروف التي ينتظرها للعودة إلى ​رئاسة الحكومة​.