كانت ​اسرائيل​ تعمل ما في وسعها للحفاظ على العلاقة مع كل من مصر والاردن، ومراعاة (قدر ما تتطلبه مصالحها) الوضع في البلدين من خلال الوضع الفلسطيني الذي يتخوف منه الاردن لتأثيره على خريطته الجغرافية، وتقلق منه مصر لتأثيره على الوضع الاقليمي وانعكاسها عليها كأبرز دولة عربية غير خليجية. اما اليوم، وبعد الخرق الكبير الذي حققته اسرائيل بالتطبيع مع ​الامارات​ العربية المتحدة و​البحرين​، فيبدو ان مراعاة الاردن ومصر اصبح يشكل هاجساً اقل بكثير مما كان عليه بالنسبة الى الاسرائيليين عموماً ورئيس الوزراء ​بنيامين نتانياهو​ على وجه الخصوص، الذي بات يتوق الى حصد اكبر قدر ممكن من "الانجازات" بالتطبيع مع ​الدول الخليجية​، وهو يضع نصب عينيه ما يعتبره "الجائزة الكبرى" اي ​المملكة العربية السعودية​، وليس الترويج لاستعداد ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان اللقاء به، سوى دليل على مدى تعطشه ل​تحقيق​ هذا الهدف. من هنا، يمكن فهم سهولة عدم اكتراث نتانياهو في التسبب بمشكلة مع الاردن (لا تصل الى حد القطيعة بطبيعة الحال)، واحراج ولي العهد الامير حسين بن عبد الله على الحدود، لترد عمّان بمنع ​طائرة​ رئيس الوزراءالاسرائيلي من المرور في اجوائها في طريقه الى الامارات، وارغامه بالتالي على تأجيل الزيارة.

لا يقيم نتانياهو وزناً لارضاء العرب، ولا يهمه سوى مصلحته، لذلك يستسهل القفز فوق مصالح بعض الدول العربيّة في سبيل كسب دول اخرى، اما الاصوات الاسرائيليّة التي تصاعدت منتقدة الحادث الذي حصل على الحدود وترك توتراً فيالعلاقة مع الاردن، فليست افضل حالاً لأنّ هدفها اليوم يتمثل فقط بإحراج نتانياهو وتسجيل النقاط عليه لكسب معركة سياسية ضده، ولا يتوهّمن احد ان في المسألة وجود تعاطف مع الاردن او غيره من ​الدول العربية​، لان تاريخ التجارب العربية مع اسرائيل والاسرائيليين على مدار العقود الماضية مقروء بشكل واضح ولا يحتمل التأويل، ويظهر مدى سرعة تخلّيهم عن كل الاتفاقات والافكار والوعود التي يطلقونها قبل الاتفاقات، ليربحوا تطبيعاً من هنا وسلاماً من هناك يعزّز موقعهم في المنطقة ويمعن في ترسيخ سيطرتهم على الاراضي العربيّة التي احتلّوها، لتضيع القضيّة بحكم الامر الواقع المفروض. وللاسف، فقد اثبتت هذه ​السياسة​ جدواها، وها هو نتانياهو يستعيدها اليوم، فيما يقع العرب فيالفخ نفسه فيهرولون للاتفاق مع اسرائيل من دون اي ضمانة حقيقية بالتزام مسؤوليها بما يتم الاتفاق عليه بالسرّ والعلن. وما يلفت النظر في كل هذا الموضوع، هو انّ ​العالم​ لا ينطق بكلمة واحة تضع الاسرائيليين عند حدّهم، لا بل يقف الى جانبهم ويعتبرهم دائماً في خانة "المظلومين"، وهو ما يقوّي موقفهم ويضعف الموقف العربي الذي ساهم تشتيت الدول والخلافات الدائرة بين قيادات دوله، على قضم الحقوق وتجاهل تنفيذ قرارات دولية باتت عجوزة بفعل تقدم العمر وتنتظر اعلان وفاتها، فتتحرر اسرائيل عندها من كل قيد.

لا يملك الحادث الذي حصل مع الاردن فرصة استفاقة عربيّة، لا بل على العكس سيكون فرصة اخرى لاثبات مدى عنجهيّة وقوة الاسرائيليين في استلام زمام المبادرة عند التعاطي مع العرب، وليس من المستبعد ان تسارع دول عربيّة اخرى وخليجية تحديداً، الى فتح الخطوط لتقديم اوراق الاعتماد لدى اسرائيل، والاثبات للعالم ان القيادات العربيّة الحاليّة لا يهمّها مسألة قضايا او اراض او هوية، بل يهمها فقط البقاء والاستمرار في المناصب، مع الاستعداد لدفع الاثمان الباهظة مالياً وسياسياً دبلوماسياً لنيل هذه الغاية. سيعتاد الجميع بعد فترة قصيرة، على فكرة نسيان ما كان يسمى بالقضية العربية التي كانت اساس الصراع مع اسرائيل، وسيتأقلمون مع واقع التطبيع وترسيخ الوجود الاسرائيلي بعد سنوات طويلة من الدفاع عن الحقوقالشرعية للفلسطينيين ومحاولة استعادة الاراضي العربيّة المحتلّة انتهت للاسف باستسلام العرب.