أشار الخبير الاقتصادي ​إيلي يشوعي​، إلى وجود "أسباب عديدة لارتفاع سعر صرف ​الدولار​، أما القفزات السّريعة الّتي شهدناها في الآونة الأخيرة مردّها إلى غياب ​المصرف المركزي​ وعدم تدخّله للجم المضاربين، وبالتّالي لا يوجد أدنى خوف من ​الدولة​ ومصرف ​لبنان​".

وفي حديث لـ"النشرة"، اعتبر يشوعي أنّ "السوق السوداء كما يسمّيها البعض هي في الواقع السّوق الفعلية لأنّها الوحيدة الّتي تقوم على العرض والطلب، بينما سوقي الـ1500 والـ3900 هما في اتجاه واحد ولا تخضعان للعرض والطلب"، موضحًا أنّ "السّوق الواقعيّة تشهد تفلّتًا كبيرًا في ظلّ غياب ضابط الإيقاع المتمثّل ب​مصرف لبنان​".

ورأى يشوعي أنّ "سياسات مصرف لبنان منذ العام 1993 إلى اليوم هي من أوصلتنا إلى هذا الإنهيار المالي الكبير، وأداء الحاكم ​رياض سلامة​ جعل المصرف المركزي معطّلًا وغير قادر على التدخل، وكنت على مدى ربع قرن أحذّر من المضيّ في هذه السّياسات ولكن لا حياة لمن تنادي".

وبيّن يشوعي أنّ "هناك ثلاثة عوامل تتحكّم بالسّوق الفعلي، وهي العامل الاقتصادي والنّفسي وعامل الإشاعات، الّتي تنتشر كالنّار في الهشيم وتلعب دورًا سلبيًا في السّوق وتؤدّي إلى القفزات الكبيرة الّتي شاهدناها، وعندها تنشط حركات المضاربة المحليّة من قِبَل مجموعة صغيرة تستطيع التّحكّم بالسّوق صعودًا وهبوطًا وتحقّق الأرباح في أوقات قياسيّة".

وتابع: "في ظلّ الفلتان الحاصل وغياب المصرف المركزي، بإمكان الدولة و​القضاء​ و​الأجهزة الأمنية​ تحديد هويّة هؤلاء المضاربين وتوقيفهم، وهم يستطيعون ذلك خلال 24 ساعة، ولكن هذا لم يحصل للأسف وهنا يتعزّز العامل النّفسي السّلبي ممّا يدفع النّاس للتمسّك بمدّخراتها من العملات الصعبة ويخفّ العرض بينما الطلب في ارتفاع متسارع، ويرتفع معه سعر الصّرف".

وفي العامل الاقتصادي التّقني، أوضح يشوعي أنّه "في ظلّ تراجع جباية ​الضرائب​ والرسوم وتعليق المهل، ووجود مصاريف ثابتة للدّولة وعلى رأسها رواتب وأجور العاملين في ​القطاع العام​ والأسلاك العسكريّة، تلجأ الدّولة إلى المصرف المركزي للإقتراض عبر سلفات الخزينة، ويقوم المصرف بطبع المزيد من الكتل النّقديّة ممّا يزيد التضخم في السّوق، في حين أنّ الكتلة النقدية بالدولار في تراجع مستمرّ"، معتبرا أنّ "الدّولة لا تُحسّن إدارة العاملَين التّقني والنّفسي، ولذا نشهد رواجًا للإشاعة والمضاربة خصوصًا في ظلّ غياب المركزي وعدم تقيّده بالقواعد".

وركّز يشوعي على أنّ "الحلّ التّقني موجود ولكنّه بحاجة إلى ​مجلس النواب​، فالمشكلة اليوم هي بعدم توفّر الدولار وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع سعر صرفه ويتسبّب بكوارث اجتماعيّة"، موضحًا أنّ "قانون النقد والتسليف لا يأتي على ذكر إلزام ​البنك المركزي​ بفرض احتياط إلزامي على الودائع المصرفيّة بالعملات الاجنبية، وبالتّالي فإنّ الحاكم يخالف القانون، وإذا سلّمنا جدلًا بهذا الإحتياط فمن أين أتى بنسبة 15 بالمئة من قيمة الودائع؟ فهذه النسبة الّتي تمثّل حوالي 18 مليار دولار كودائع إلزاميّة يضع يده عليها بشكل مخالف للقانون".

وذكّر يشوعي بأنّ "رياض سلامة طلب من ​المصارف​ سابقا وضع فائض من الإحتياطات لدى مصرف لبنان وقد وصلت إلى 75 مليار دولار، وقد "طيّر" 54 مليار فيما يُعرف بالفجوة الماليّة اليوم، كما أقرض الدّولة 5 مليار دولار عبر اليوروبوندز وهي أيضا مخالفة للقانون، وصرف أخيرًا حوالي 7 مليارات على الدعم الّذي استفاد منه المهرّبون والتّجار وبعض السّياسيّين والمحتكرين، ولم يصل منه إلّا القليل للشعب اللّبناني".

وأضاف: "اليوم يقول الحاكم أنّ لديه 16 مليار كاحتياطي إلزامي، وهنا نسأله لماذا تتمسّك بهذه الأموال؟ هذه مصادرة علنيّة لأموال النّاس، فلا يكفيه الـ54 مليار الّتي لا نعلم مصيرها؟ فلو كان لدينا قضاء في لبنان لكان الآن في ​السجن​ كما يحصل مع أيّ مواطن يصرف شيك من دون رصيد، ولكن للأسف نجده حتّى اليوم يتجوّل ب​طائرة​ خاصّة".

وجدّد التّأكيد بأنّ "الحلّ يكون بإصدار قانون عبر ​المجلس النيابي​ ينص على إعادة هذه الودائع للنّاس بشكل تدريجي ومدروس، وتحت رقابة لجنة الرّقابة على المصارف، وفي ظلّ متابعة أمنيّة لمنع البنوك من تحويل أيّ دولار إلى الخارج، وأنا أضمن بهذه الطريقة يمكن الوصول بسعر صرف الدّولار إلى حدود الـ5000 ليرة لبنانية".

وفي الختام، لفت يشوعي إلى أنّ "بدء التدقيق الجنائي من مصرف لبنان هو نتيجة الفجوة المالية الكبيرة في حساباته"، متسائلًا : "أين مصير الأموال الّتي جرى تحويلها إلى الخارج عشيّة فرض القيود على التّحويلات المصرفيّة؟ هذه التّحويلات جرت بعد وصول معلومة مشبوهة إلى بعض النّافذين، وبالتّالي يسقط قانون حرّيّة تحويل الأموال في هذه الحالة، ومن الضروري إعادتها".