على قاعدة "احياء الذكرى" فقط، يطل موعد ​14 آذار​ كل عام، وهو لا يشبه باي شكل من الاشكال موعد 14 آذار 2005. صحيح انه لا يمكن توقع ظروف سياسية مشابهة لتلك التي كانت موجودة في ذلك العام، ولكن من غير المتوقع ان يكون الواقع السياسي ال​لبنان​ي مشتتاً الى حد يصعب فيه حتى تذكر من كان يؤيد من في ​التظاهرات​ التي وصفت بـ"المليونية" والتي تصدرت اهتمام ​وسائل الاعلام​ وشكّلت عامل ضغط قوي على الساحة الدبلوماسية الدولية. 14 آذار 2021 تصرخ، ولايجيبها الا صدى صوتها، بعض من كان في الشركاء الاساسيين في هذه التجربة يحاول قدر الامكان التكلم واثبات وجوده، ومحاولة استنهاض ذكريات قديمة كان يتمتع فيها بتأييد اكثر من نصف لبنان. يمكن ان يعتبر البعض ان الاسباب التي دفعت الناس الى التضامن بهذه الاعداد الضخمة في العام 2005، لم تكن فقط داخلية، بل كانت تستهدف بشكل مباشر التخلص من السيطرة السورية على لبنان والطلب من الدول الكبرى والخارجية سحب التفويض -الذي تم منحه لعقود طويلة من الزمن- من يد السوريين وعودة لبنان الى اللبنانيين. اما اليوم، فالوضع مغاير تماماً، اذ لم يعد هناك من يمكن ان يجمع اللبنانيين لمواجهته، لان العقل التخطيطي الجهنمي عمل على وضع اللبنانيين في وجه بعضهم، فساد الانقسام واثمرت ​سياسة​ "فرّق تسد" مرة اخرى على هذه الساحة بالذات. اليوم، باتت الاحزاب والتيارات السياسية التي توحدت في 14 آذار 2005، هي نفسها تطالب بالتحرر ممن تحالفت معهم في ذلك الوقت، وكل منها يكيل الاتهامات والتهديدات والانتقادات اللاذعة للآخر لزيادة الهوّة الموجودة. ولعل ما يعزّي اعضاء هذه الذكرى، هو ان ما يعرف بقوى ​8 آذار​ (ونشأت في ​السنة​ نفسها) ليست افضل حالاً من الناحية السياسية، فالخلافات تسلّلت ايضاً الى المتحالفين في ذلك اليوم الذين ارادوا ارسال مغايرة لتلك التي حفّزت الآخرين على النزول بعد اقل من اسبوع واحد على الارض لاسماع صوتها ورأيها المناقض كلياً لآراء من تجمعوا في 8 آذار.

حتى ​الجيش اللبناني​ الذي كان في ذلك اليوم ملاذاً ومثالاً للجميع من الطرفين النقيضين سياسياً، بات اليوم في مرمى الاتهام من قبل البعض، ويحاول الكثيرون ادخاله الى اللعبة السياسية الخطيرة، بعد ان كان ​اللبنانيون​ جميعاً على اختلاف انتماءاتهم الحزبية والسياسية والطائفية، يعتبرونه بعيداً عن هذه التجاذبات والالعاب المتفجرة التي تحصل اليوم. قد تكون حسنات الوصاية التي يفرضها بلد على آخر، توحيد الشعب للبلد المحتل (او على الاقل غالبيته) تحت شعار واحد وهدف واحد ورغبة واحدة، ولكن لا بد لها ان تستمر حتى بعد ​تحقيق​ الغاية المرجوّة، لان اضمحلالها يعني حتماً تشعّب الاهداف وتشتيت الافكار والناس، فتعود الوصاية بشكل ابشع واكثر صعوبة، لان عندها يكون المحتل غير موجود على الارض وغير محصور في مكان معيّن، ولا يمكن ايذاءه واستهدافه دون ايذاء واستهداف من يناصره من شعب البلد المحتل، فنكون كمن يطلق النار على اعضاء جسده في سبيل التخلص من الالم.

غالباً ما تعود الشعوب الى ايام مجيدة في تاريخها، فتتذكر نضالها في تلك الايام وتستلهم منه لتحفيزها على استعادة هذه المشاهد والتقرب من شركائها في الوطن، فيسهل عندها كسر التحديات والمعوقات والتغلب على المشاكل اكانت داخلية ام خارجية للنهوض بالوطن والشعب على حدّ سواء. اما في لبنان، فالنظر الى تلك الايام لا يعني سوى الترحّم عليها، وتسطير الكلمات والتعابير الرنانة التي تشيد بذكراها واعتبارها ماضٍ لن يعود، ليس لشيء سوى لان قادة الاحزاب ورؤساء التيارات السياسية ارتأوا ان مصالحهم اهم من مصلحة الوطن الذي يأويهم ويحتضن اتباعهم السائرين في ظلمة افكار من يؤيدونه.