آخر الاسترتيجيّات المُتّبعة في بعض ​المصارف​ اللُبنانيّة: المحدوديّة في تغذية الصرّاف الآلي بالعملة الوطنيّة المطبوعة للتوّ، ومِن دون اللُجوء إِلى العدّاد، وبفتح "الحنفيّة" في حدّها الأقصى!... وكأَنّ لا حاجة لأَن تتمّ تغطية العملة عندنا بالذّهب الأَخّاذ، ضمانةً لقيمتها. ولذا فلا بُدّ مِن أَن نتعامل مع بعضنا في مُشترياتنا وتبادُلاتنا اليوميّة وتأمين احتياجيّاتنا... بأَوراق "المونوبّولي"!.

وبالعودة إِلى الصرّاف الآليّ المحشو بأَوراق اللُعبة الشّهيرة، فقد تشحّ الأَموال في ثلاثة فروعٍ تابعةٍ للمصرف نفسه، تزامُنًا، وحتَّى في "طقّة الظُّهر". وإِذا ما سأَلت في داخل المصرف، عن أَوقات "التّغذية" بمُسكّنات العملة الوطنيّة، يكون الجواب: "سيتمّ تعبئة الصرّاف بالنُّقود بعد الأُولى (بعد الظّهر).

حتّى طُوَيْقة الفرج تلك لا تكتمل... وتكون سرابًا، إِذ لا تصدق الوعود!.

إِنّها فعلًا بمثابة الجناية لا الجنحة، أَن يحجب عنك المصرف بعضًا مِن راتبك الهزيل، ثلاثة أَيّامٍ بلَياليها. ولنتكلَّمَ بلُغة الأَرقام: في ارتفاع سعر صرف الدُّولار الواحدِ في مُقابل ​الليرة​ اللُبنانيّة، مِن 12،500 بعد ظُهر الثُّلاثاء الماضي، إِلى 13،600 بعد ساعةٍ واحدةٍ تقريبًا، ارتفع سعر أَرخص كيس مناديل (200 محرمة)، مِن 1،400 ليرة لُبنانيّة إِلى 2،000 ليرة.

إِنّ نسبة ارتفاع الدُّولار الأَميركيّ –وفي كُلّ بساطةٍ– هي 8،08%. وأَمّا نسبة ارتفاع المناديل هي 42،85%.

وعليه، يتبيّن لنا أَحد أَوجه طمع بعض التُجّار، وتفنّنهم في سرقة النّاس، مُستغلّين الضّائقة الاجتماعيّة، إِذا ما اعتبرنا أَنّ المسألة تقف عند هذا الحدّ، وأَلَّا أَهداف سياسيَّةً، وأَجنداتٍ مُعيّنةً يعملون على تنفيذها، لجرّ النّاس إِلى الشّارع، وسوقهم بعد تجويعهم، مُعتمدين كُلّ أَنواع الغشّ و​المال​ الحرام... خدمةً لسياستهم "النّبيلة النّزيهة مِن كُلّ عيبٍ"...

وإِذا عتبرنا أَنّ المصرف حرمك مِن الحصول على بعضٍ مِن راتبك خلال ثلاثة أَيّامٍ، فيكون بذلك قد تسبّب بفقدانك:

42،85% (نسبة التضخُّم المُشار إليها أَعلاه) x 3= 128،55 %.

وتُضاف هذه الجناية إِلى جناية حجز راتبك، وهو حقّ لك في المصرف التّجاريّ الفاجر!.

لقد كُنّا في أَواخر تسعينيّات القرن الماضي، نقبض رواتبنا في ​وزارة​ الإِعلام، مِن مُعتمَد القبض مُباشرةً، وبموجب شيكٍّ مصرفيٍّ، إِذ نقصد المصرف لنتقاضاه كاملًا مع "حبّة مسكٍ"!... فأَعيدوا –يا "سادة"- لنا تلك الآليّة، ولا تجعلوا الآلة والمُخطّطات الشّيطانيّة المُتحكّمة بها، تبتزّنا في حُقوقنا وتذُلُّنا...

أَعيدوا لنا أَيّام ما قبل "المونوبّولي"، أَي قبل أَن يكون للعملة الورقيّة مفهوم لعبةِ المَوْت البطيء، القاضي على مُدّخرات الإِنسان وكرامته، قبل نزع الرُّوح منه...

أَعيدونا –إِذا شئتُم– إِلى أَيّام المُقايضة المُباشرة بين بعضنا، وأَريحونا مِن حيتانكم الّتي تنهشنا دونما رحمةٍ...

صحيحٌ أَنّنا كُنّا نقف في "الطّابور" لنحصل على راتبنا، لكنّ المسألة كانت بالنّسبة إِلينا تنتهي عند هذا الحدّ... فلا نُذلّ بخُبْز يومنا كما هي الحال الآن!...

إِرحلوا ولا تنسَوا أَن تصطحِبوا معكُم جشعَكُم وطمعَكُم ومدنيّتَكُم الشّيطانيّة، واتركوا لنا حنينًا إِلى إنسانيّةٍ بُتْنا نتمنّاها فيكم كمن ينتظر الجُود مِن أَبْخَل البُخلاء... إِرحلوا يا ساسة المدنيّة الكافرة يا أَعداء الله، وخُذوا معكُم تُجّار الهيكل، والكتبة والفرّيسيّين، والعشّارين... واتركوا شعبًا ما عاد يعلم الصّالح منكُم مِن ​الفاسد​، ولا عادت البوصلة مجالًا لتحرّكه وسبيلًا لخلاصه.

وأَنت يا شعبي، انهضْ–كما بيروت–من تحت الرّدم–واعلن "ثورة الأمعاء الخاوية" واستعِدْ البوصلة، وكُن حكيمًا كالأَفعى، فـ"تعرف الحقّ والحقّ يُحرّرك"... مِن هؤلاء!.