بعد اشهر طويلة ومعاناة اطول، بدأت ملامح التسوية السياسية في لبنان تأخذ شكلها، وارتفع منسوب التفاؤل ب​تشكيل الحكومة​ العتيدة، خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها رئيس الحزب الاشتراكي ​وليد جنبلاط​ منذ يومين الى قصر بعبدا، وكلامه الواضح عن التسوية التي باتت ملحّة وضرورية. اليوم، تتّجه الانظار الى بعبدا لمعرفة ما سيؤول اليه الاجتماع الـ18 بين رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، وسط معطيات غير متشائمة، انما تبقى ضمن حدود الواقع والمنطق لجهة الحذر من "دعسة ناقصة" تعيد الامور الى الوراء. الجو في البلد تحوّل من تسابق على المماحكة والمواجهة السياسية الحادة، الى سباق مفتوح على قطف ثمار التسوية ونتائجها، وقد اتت قضية التعامل مع سعر صرف الدولار بمثابة "بروفة" لهذا السباق، حيث عمل الجميع على حصد نتائج تراجعه بعد ان بلغ رقماً قياسياً لم يعهده من قبل وصل الى 15 الف ليرة للدولار الواحد. وفي هذا السياق، استغربت مصادر ماليّة واقتصاديّة تصرّف حاكم مصرف لبنان ​رياض سلامة​ الذي كان طرفاً في هذا الموضوع، اذ قام بزيارة كل من وزير الماليّة غازي وزني والحريري وتمّ الاعلان بعد الزيارتين عن مساعٍ لخفض ​سعر الدولار​، علماً ان سلامة كان مشاركاً في الاجتماع المالي والامني الذي عقده عون في قصر بعبدا قبل ايام من الزيارتين دون ان يتحرّك الحاكم. وعمد رئيس الجمهورية بعدها الى استلحاق نفسه، عبر لقاء جمع مستشاره مع الحاكم للتباحث في كيفيّة تخفيض سعر الدولار، وكان لافتاً عدم اللقاء بين عون وسلامة ربما كرسالة امتعاض من رئيس الجمهورية حيال تصرفات الحاكم. هذا الامر إن دلّ على شيء، فعلى ان الجميع دخل سباق قطف النتائج الايجابيّة لتراجع سعر الصرف، فوزير الماليّة المحسوب على رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ والحريري كانا قد اعتبرا ان لقاء كل منهما بسلامة وانخفاض سعر الدولار بعده، نقطة في خانتهما، لكن عون استدرك الامر وكسب نقطة ايضاً في هذا المجال.

اما في السياسة، فزيارة جنبلاط الى بعبدا، وضعت نقطة اضافية في خانة رئيس الجمهورية واكملت مساعي حزب الله التي فصّلها امين عام الحزب ​السيد حسن نصر الله​ بتحذير وجهه الى الجميع دون استثناء، خصوصاً بعد اعتراف قوة دولية كبرى به (ايّ ​روسيا​) بشكل علني وتباحثها معه في شؤون المنطقة ومنها بطبيعة الحال سوريا، وعليه فإنّ الحزب لن يرغب في تضييع ما بناه على مدى السنوات الماضية عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، بانهيار الوضع اللبناني من اجل مكاسب حلفائه او حتى خصومه في السياسة، فقرّر التحرك بفاعليّة على كل الجبهات للجم الوضع، وتحذير الجميع من انّه لن يكون بوسعه تحمل المزيد من التراجع في الحياة اليومية للبنانيين لان هذا الامر يضعه في دائرة الخطر، وهو ما لن يقبل به.

يعزو البعض حضور العوامل الايجابيّة الى التحرك الروسي، وبعض آخر الى كلام نصر الله، وبعض آخر الى موقف الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ القاسي حول مقاربة جديدة للتعاطي مع السياسيين اللبنانيين، وآخر الى رسالة الرئيس عون، وآخر الى تحرك الحريري وبري وجنبلاط...

تعددت الاسباب، ولكن ارتفاع نسبة التفاؤل في لبنان امر ينبئ بأن التسوية باتت قريبة، وقد تحطّ رحالها في وقت قريب او تتأخر قليلاً، لكنّ الاستعدادات لاستقبالها اصبحت جاهزة، علماً ان التعقيدات كانت بالغة التعقيد ولكن كالعادة، فإن الحلول تأتي سحريّة فيتمّ تذليل المشاكل بأبسط الطرق وتعود المياه الى مجاريها بين السياسيين اللبنانيين وكأن شيءاً لم يكن، فالمصالح تتغلب دائماً على العقد، وطالما ان التسوية تضمن مصالح الجميع فلن يكون هناك من يعرقلها لا خارجياً ولا داخلياً.