عشيّة اللقاء رقم 18 في ما خصّ مُشاورات تأليف الحُكومة الجديدة، بين رئيس الجُمهوريّة العماد ​ميشال عون​ ورئيس الحُكومة المُكلّف النائب ​سعد الحريري​، صَدرت مواقف حازمة من قبل أمين عام "​حزب الله​" فُسّرت على أنّها تصبّ في خانة دعم موقف عون على حساب الحريري، ثم جاءت زيارة رئيس "الحزب التقدّمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​ إلى ​قصر بعبدا​ وحديثه عن ضرورة التوصّل إلى تسوية، لتُعطي رئيس الجمهوريّة المزيد من نقاط القُوّة على حساب رئيس الحُكومة المُكلّف. لكنّ هذا الأخير لم يتراجع عن تمسّكه بشروطه التي باتت معروفة، فمن الذي يدعمه، وهل يُمكن سحب التكليف منه، ومن يريد ذلك أساسًا، وكيف ستتطوّر الأمور في لبنان في ظلّ إستمرار تعثّر مُحاولات تشكيل الحُكومة؟.

في حال لم يحصل في المُستقبل القريب، تحوّل مُفاجئ في المواقف التي أسفرت حتى تاريخه عن إفشال عمليّة التشكيل، من المُنتظر أن تتجه الأمور في لبنان إلى مزيد من التأزّم السياسي الداخلي، ناهيك عن إستمرار ​الإنهيار الإقتصادي​ والمالي، مع ما يحمله هذا المسار من مخاطر كبرى على الإستقرار وعلى الأمن المَعيشي للبنانيّين. ومن المُتوقّع أن يُحاول "التيّار الوطني الحُرّ" الدفع نحو سحب التكليف من رئيس الحُكومة المُكلّف، طالما أنّه فشل في التأليف وإنطلاقًا من أنّ هذا التكليف لا يُمكن أن يكون أبديًا، لكن من شأن سُلوك هذا المسار غير المَسبوق في التاريخ اللبناني، أن يفتح أبواب نزاعات وصراعات إضافيّة بخلفيّات طائفيّة ومذهبيّة. وحتى لوّ تبنّت دوائر القصر الجُمهوري خيارات دُستوريّة للضغط في إتجاه سحب التكليف، على غرار توجيه رئيس الجُمهوريّة رسالة بهذا المعنى إلى ​المجلس النيابي​، فإنّ الإرتدادات المُنتظرة ستكون غير إيجابيّة، مع توقّع توحّد كل مسؤولي الطائفة السنيّة لرفض هذه الخُطوة، بغضّ النظر عن تموضعهم السياسي وعن علاقتهم الشخصيّة بالحريري.

ومن غير المُرتقب أيضًا أن يُجاري أي طرف، "التيّار الوطني الحُرّ"، في حال لجوء هذا الأخير إلى هذا الخيار، مهما كانت التبريرات. فمن غير الوارد أن يدخل رئيس "الإشتراكي" في هكذا خيار، على الرغم من مُحاولاته الدائمة لتعديل مواقفه بما يحفظ مكانته في السُلطة منذ أكثر من ثلاثة عُقود حتى اليوم. و"حزب الله" لن يدخل بدوره في نزاع دُستوري يُوقظ مشاعر مذهبيّة مُغلقة، وهو يُفضّل الذهاب إلى تعويم الحكومة المُستقيلة برئاسة حسّان دياب، والطلب منها مُعاودة الإجتماعات وتحمّل مسؤوليّاتها، في إنتظار التوصّل إلى حلّ للأزمة الحُكوميّة الحاليّة. أمّا "​حركة أمل​" فليس بسرّ أنّها ترفض كليًا هذا الخيار، ورئيس مجلس النوّاب ​نبيه برّي​ لن يكون مُسهّلاً على الإطلاق لأي مُحاولات في هذا الإتجاه عبر المجلس النيابي.

وبحسب رأي بعض الدُستوريّين، لا مجال لسحب التكليف من رئيس حكومة مُكلّف، بحسب القوانين اللبنانيّة، والخيار الوحيد المُتاح–حتى لو بدّلت كل الكتل التي سمّت سعد الحريري رأيها به، يتمثّل في تركه يُشكّل الحُكومة التي يريد، على أن يتمّ بعد ذلك إسقاطها في المجلس النيابي عند التصويت على الثقة. ومن غير المُرجّح أن يسلك "التيّار الوطني الحُرّ" هذا الخيار، لأنّه غير مضمون النتائج على الإطلاق. وبالنسبة إلى مسألة تعويم الحكومة المُستقيلة، فإنّ الفقرة الثانية من المادة 64 من الدُستور اللبناني تنصّ على أنّه "لا تُمارس الحُكومة صلاحيّاتها قبل نيلها الثقة، ولا بعد إستقالتها أو إعتبارها مُستقيلة، إلا بالمعنى الضيّق ل​تصريف الأعمال​"، حيث أنّ تصريف الأعمال يقضي بعدم حجب التواقيع الضروريّة لتسيير شؤون الدولة الإداريّة لا غير. لكنّ "التيّار" ومعه "حزب الله" يميلان إلى عودة الحُكومة المُستقيلة إلى الإجتماع، بحجّة الظروف الإستثنائيّة التي يمرّ بها لبنان، وغياب التوافق على تشكيل حكومة جديدة، ويُوجد ضغط حاليًا لأن تعقد الحكومة المُستقيلة إجتماعًا لإقرار مشروع ​الموازنة العامة​ لعام 2021، ولإحالته إلى مجلس النوّاب لدراسته وإقراره أيضًا. وتُعارض مجموعة من القوى السياسيّة الفاعلة هذا الخيار، وتعتبره مُخالفًا للدُستور، في حين يرى "تيّار المُستقبل" في أيّ تعويم لحكومة تصريف الأعمال، مُحاولة مرفوضة مُسبقًا لحصار رئيس الحُكومة المُكلّف لا أكثر، مع الإشارة إلى أنّ رئيس الحكومة المُستقيلة حسّان دياب لم يحسم من جهته خياره في هذا الشأن حتى تاريخه.

في الختام، تنتظر لبنان في المُستقبل القريب لأيّام مليئة بالخلافات والتشنّجات والصراعات السياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة، مع كل ما يعنيه هذا الأمر من إنعكاسات سلبيّة على الإستقرار الداخلي، ومن مزيد من الإنهيارات الإقتصاديّة والماليّة، للأسف الشديد!.