أكّد مسؤول مالي دولي لصحيفة "الجمهوريّة"، أنّ "الانهيار ​الاقتصاد​ي في ​لبنان​ مأساة ذات صناعة محليّة، لم يشهد مثيلًا لها في العالم سوى مرّات قليلة في التاريخ الحديث". ورأى أنّ "المعاناة والإذلال اللذين يتعرّض لهما ​الشعب اللبناني​، مفجعان"، سائلًا: "حتّى لو تمّ الاتفاق على حكومة جديدة، هل ستنجو من ردّ فعل الشارع بعد أن تنفّذ تدابير اقتصاديّة غير شعبيّة، مثل وقف الدعم وتعويم العملة المحليّة؟ أشكّ في ذلك".

ولفت إلى أنّه "كان واضحًا منذ أوائل العام 2000، أنّ السياسات الاقتصاديّة اللبنانيّة غير مستدامة. ونتيجة عدم قيام الحكومات المتعاقبة بإصلاح التشوّهات في الاقتصاد، واعتماد بدلًا من ذلك، سياسات غير مستدامة، فإنّ البلاد تواجه اليوم الانهيار الاقتصادي الحالي"، مذكّرًا بأنّ "التحذيرات منذ بدء الأزمة كانت تشير إلى أنّه في حال لم يتّفق لبنان مع "​صندوق النقد الدولي​" على برنامج إنقاذ، فإنّ الأوضاع الاقتصاديّة والماليّة ستتدهور بشكل كبير وسيزداد الشعب اللبناني بؤسًا وفقرًا، وهذا ما وصلنا إليه اليوم".

وركّز المسؤول المالي على أنّ "هناك انهيارًا اقتصاديًّا وماليًّا، لم تتمّ مقاربته ومعالجته منذ تشرين الأوّل عام 2019، لا بل تستمر السلطات في إضاعة الوقت"، مشيرًا إلى أنّ "صندوق النقد الدولي تعامل مع العديد من البلدان ذات الإدارات الاقتصاديّة السيّئة والأزمات الاقتصاديّة والماليّة الخطيرة، إلّا أنّ لبنان فاق التوقّعات العالميّة في سوء السياسات الاقتصاديّة المعتمَدة والأكثرها تشويهًا، من أيّ من تلك البلدان الّتي تعامل معها الصندوق".

وبيّن أنّ "صنّاع القرار في لبنان يواصلون اتخاذ التدابير العشوائيّة والمجتزَأة، الّتي تسبّب المزيد من الضرر الاقتصادي. لا يملك أيّ زعيم أو حزب سياسي الإرادة أو الشجاعة لتأييد أو تنفيذ التدابير اللّازمة لمعالجة الأزمات الاقتصاديّة الّتي تواجه البلاد".

كما شدّد على أنّه "حتّى لو افترضنا أنّهم قادرون أخيرًا على الاتفاق حول حكومة جديدة، نظرًا للانقسام السياسي في البلاد، لا أستطيع أن أرى كيف سيتمكّنون من تنفيذ الإجراءات الاقتصاديّة التصحيحيّة اللّازمة. فمن دون التزام سياسي واسع وقوي بالإصلاح، لن ينجح أيّ برنامج لـ"صندوق النقد الدولي". وحتّى لو تمّ الضغط على صندوق النقد من أجل التوصّل للاتفاق مع لبنان، فإنّ الحكومة ستعجز عن تنفيذ برنامج الإنقاذ".

وأوضح المسؤول أنّ "من دون تشكيل حكومة، لا إمكانيّة لحصول لبنان على أيّ دعم مالي مباشر أو خطوط ائتمان من قِبل الصندوق، خصوصًا في ظلّ غياب قانون "كابيتال كونترول"، الّذي يجعل من الصعب على أيّ جهة دوليّة إيداع أيّ أموال في "​مصرف لبنان​"، من دون وجود نصّ قانوني يحدّد معايير استخدام تلك الأموال". وشدّد على أنّ "أيّ اتفاق مع "صندوق النقد الدولي"، لن يتمّ تنفيذه في ظلّ وجود هذه الطبقة السياسيّة الحاكمة، خصوصًا في حال لم تُمنح ​الحكومة الجديدة​ صلاحيّات استثنائيّة، ما سيؤدّي إلى الرجوع ل​مجلس النواب​ لإقرار أيّ إجراء أو إصلاح، ويعطّل بالتالي التنفيذ".

إلى ذلك، أعرب عن استغرابه "عدم اعتراف السلطة الحاكمة لغاية اليوم بحجم المشكلة وعمقها وعدم تشخيصها، من أجل وضع خطّة لمعالجتها"، مذكّرًا بأنّ "المفاوضات مع "صندوق النقد الدولي" فشلت بسبب عدم رغبة ​جمعية المصارف​ و"مصرف لبنان" و​اللجان النيابية​ الاعتراف بالخسائر، علمًا أنّه لو تمّ الاعتراف بتلك الخسائر في حينها، عندما كان سعر صرف العملة المحليّة يبلغ حوالى 2000 ليرة مقابل ​الدولار​، لما كانت ​الليرة​ شهدت مزيدًا من الانهيار، ولما كنّا وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم".