لفت "​المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى​"، بعد جلسة في ​دار الفتوى​ برئاسة مفتي الجمهورية ال​لبنان​ية الشيخ ​عبد اللطيف دريان​، إلى "أنّنا استمعنا إلى رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​، الّذي أطلع أعضاء المجلس على آخر التطوّرات السياسيّة والعقبات الّتي تعترض ​تشكيل الحكومة​، والخطوات الّتي قام بها لتجاوزها من أجل مصلحة الوطن"، مشيرًا إلى "أنّه توقّف أمام ظاهرتين خطيرتين، يؤدّي تلازمهما إلى دفع الأزمة الخانقة الّتي يواجهها لبنان إلى هاوية لا قرار لها".

وأوضح، في بيان، أنّ "الظاهرة الأولى تتمثّل في استمرار التدهور السريع وبوتيرة شبه يوميّة، تشمل مجالات الحياة الاجتماعيّة والماليّة والاقتصاديّة والسياسيّة كافّة. وتتمثّل الظاهرة الثانية في اللامبالاة وعدم الاكتراث والتخبّط العشوائي، الّذي يتّسم به سلوك وتصرّفات المتحكّمين برقاب المواطنين من أولي الأمر".

وركّز المجلس الشرعي على أنّ "لبنان يبدو مثل سفينة متهالكة تواجه عاصفة هوجاء في بحر هائج، ينشغل ربّانها وبحّارتها عن مصيرها، وينصرفون إلى الجدال العقيم حول "جنس الوزراء" وتبعيّاتهم. وفي الوقت الّذي توشك فيه السفينة على الغرق، فإنّ بعضًا من هؤلاء المسؤولين (أو الّذين يُفترض أن يكونوا مسؤولين)، لا يرفّ له جفن، ولا يتحرّك لديه ضمير أو حسّ وطني أو إنساني"، مبيّنًا أنّ "هذا البعض غارق في "الأنا" وفي نرجسيّاتهم الوهميّة، وكأنّ الأخطار الّتي تحدق بسفينة الوطن لا تعنيهم من قريب أو بعيد. إنّهم يرفضون حتى أن يمدّوا أيديهم الى الأيدي الممدودة من وراء الحدود لإنقاذهم من أنفسهم ، ومن الغرق في دوامة الفوضى والانهيار".

وجزم أنّه "لا يمكن السماح بالمسّ بصلاحيّات رئيس الحكومة المكلّف، وأيّ سعي إلى إعراف جديدة في ما يتعلّق ب​الدستور​ أو بـ"​اتفاق الطائف​" أمر لا يمكن القبول به تحت أيّ حجّة من الحجج"، مؤكّدًا "دعم الرئيس المكلّف وصلاحيّاته ضمن إطار الدستور المنبثق من وثيقة الوفاق الوطني". وحمّل مسؤوليّة التأخير في التأليف إلى "مَن يحاول أن يبتدع طرقًا ووسائل وأساليب تلغي مضمون وثيقة الوفاق الوطني، الّتي هي مكان إجماع القيادات اللبنانيّة الحريصة على استقلال لبنان ووحدته وسيادته وعروبته".

وشدّد المجلس على "أهميّة ضرورة استمرار مفاعيل المبادرات الّتي قُدّمت من قبل ​فرنسا​ ورئيس مجلس النواب ​نبيه بري​"، معربًا عن أمله في أن "تثمر حلًّا قريبًا للخروج من النفق المظلم الّذي وُضع فيه لبنان". ودعا القيادات السياسيّة إلى "العمل مع الرئيس المكلّف للخروج بحكومة تنقذ لبنان ممّا هو فيه وتعيده إلى الطريق القويم".

كما رأى أنّ "حقوق اللبنانيّين بالتساوي في مؤسّسات الدولة، يتعاطى معها بعض المسؤولين بمزاجيّة تهضم حقوق البعض على حساب البعض الآخر، وهذا أمر تجلّى في كثير من المرافق الرسميّة عند تحوّل بعض الموظّفين على التقاعد"، مشيرًا إلى أنّ "اللافت في الأمر تعدّد مثل هذه التجاوزات الّتي لا يمكن السكوت عنها، لأنّها تثير حفيظة المغبونين وتهيّئ الأجواء لإثارة النعرات الطائفيّة والمذهبيّة، ممّا يعرّض الأمن الاجتماعي إلى الاهتزاز، كي لا ندخل في أتون الفوضى الّتي لا يمكن الرجوع عنها إلّا بوجود دولة عادلة حازمة تراعي حقوق كلّ الطوائف ولا تقدّم أتباعها والمحسوبين عليها على حقوق الآخرين".

وذكر المجلس أنّ "لبنان وطن العيش المشترك، وطن الغد الأفضل، يتحوّل بفضل هذه العقليّة الإنغلاقيّة المدمّرة إلى عصر الجاهليّة، حيث الشعار "لنا الصدر دون العالمين أو القبر". ولأنّ المسؤولين على السلطة ليسوا من أهل الصدر، ولا يستحقّونه كما تثبت التجارب والوقائع المأساويّة، فانّهم يحفرون قبورًا جماعيّةً بأيديهم، تضيق بالعجز والفشل والتقهقر الّذي وُلد على أيديهم". وركّز على أنّهم "قد حوّلوا لبنان المزدهر إلى دولة فاشلة، وحوّلوا الاعتزاز اللبناني إلى استعطاء، وحوّلوا الشعور بالكرامة الوطنيّة إلى إذلال أمام ​محطات الوقود​ و​الصيدليات​ والأفران. أَعدموا الفقراء وفقّروا الميسورين، وهجّروا المقتدرين، وهم يعتقدون انّهم يحسنون صنعًا".

إلى ذلك، أعلن أنّ "المجلس الشرعي وقد هاله هذا التدهور الخطير والمتمادي، يقف مذهولًا أمام تجاهل المسؤولين وإنكارهم لهذا الواقع المأساوي، وكأنّهم ومصالحهم الذاتيّة في واد، ولبنان الوطن وشعبه المترنّح من شدّة الألم والعذاب والقهر في واد آخر. لا بدّ من كلمة حقّ في وجه سلطان جائر. وليس أكثر جورًا من الاعتداء على حقوق الناس وأكل أموالهم بالباطل، ومن سوء الأمانة في إدارة شؤون الدولة". ولفت إلى أنّ "المجلس الشرعي، الّذي يعبّر عن مشاعر الناس بالألم الشديد لما آلت اليه الأمور في لبنان من تدهور كارثي، لا يستطيع إلّا أن يرفع الصوت عاليًا منبّهًا ومحذّرًا. فلبنان الوطن والعيش المشترك هو وطننا النهائي، وهو أمانة في أعناقنا جميعًا. إنّه باق والفاسدون إلى زوال".