الخطة الأميركيّة لتنفيذ الانقلاب في لبنان عبر استغلال احتجاجات 17 تشرين لفرض حكومة أميركية الهوى وإجراء انتخابات مبكرة تطيح بالأكثرية النيابية الحالية لمصلحة عودة قوى 14 آذار إلى التحكم بالقرار النيابي وإعادة إنتاج السلطة… هذه الخطة الانقلابيّة لم تنجح، ولهذا استبدلت كما يبدو، بخطة جديدة وهي:

أولاً، العمل على شلّ الحكم في البلاد من خلال تعطيل تشكيل حكومة جديدة يشارك فيها العهد وحليفه حزب الله. وهذا الأمر تحقق بعد تسمية الرئيس سعد الحريري لتأليف الحكومة، حيث امتنع عن تطبيق الدستور لناحية الاتفاق مع رئيس الجمهورية على تشكيل الحكومة، وأصرّ على محاولة فرض حكومة وفق شروطه والتي هي شروط أميركيّة، وهو ما يرفضه الرئيس عون…

ثانياً، وضع العصي في دواليب تأليف الحكومة، وتوجيه الاتهام للعهد بأنه يقف وراء عرقلة مهمة الرئيس المكلف، وبالتالي تحميل الرئيس عون مسؤولية إعاقة ولادة الحكومة، والتسبّب باستمرار الأزمة… وفي هذا السياق، جرت مواكبة امتناع الحريري عن الاتفاق مع رئيس الجمهورية بحملة إعلامية وسياسة ممنهجة ضدّ العهد… في سياق توجه لإضعاف التيار الوطني في الشارع المسيحيّ لمصلحة حزبي «القوات» و»الكتائب».

ثالثاً، تسعير نار الأزمات النقدية والمعيشية من خلال رفع سعر الدولار وتأخير اعتمادات شراء المحروقات والدواء والتسبّب بأزمة بنزين ومازوت ودواء، وإذلال الناس للحصول على هذه الاحتياجات الضروريّة، وزيادة تقنين الكهرباء، وصولاً إلى فرض قرار رفع الدعم، وبالتالي تحميل العهد المسؤولية عن زيادة حدة الغلاء والأزمة المعيشية..

خامساً، استغلال تفاقم حدّة الأزمة المعيشيّة لأجل تحقيق هدفين طالما سعت واشنطن إليهما، وكانا في صلب الخطة التي وضعها المسؤول في الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، والتي تقدّم بها في الكونغرس عام 2019 وجرى اعتمادها:

الهدف الأول، تأليب الشارع ضدّ حزب الله المقاوم، وخصوصاً بيئته المباشرة، وتحميله المسؤولية عما وصلت إليه البلاد من أزمات لكونه حليفاً للعهد ويدعمه… وما عودة قطع الطرقات في مناطق الجنوب والضاحية وطريق الجنوب من قبل بعض المجموعات المنظمة، رغم تنبيه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله إلى الانعكاسات السلبية لذلك على الناس، إلا دليل على هذا الاستهداف.

الهدف الثاني، جعل الجيش اللبنانيّ مرتهناً للمساعدات والهبات الخارجية، وخصوصاً الأميركية والغربية، وبالتالي محاولة الإمساك بالقرار الأمني في لبنان لإثارة الفتنة بين الجيش والمقاومة، الأمر الذي حذّر منه أيضاً سماحة السيد، وأفرد له مساحة خاصة في كلمته الأخيرة…

سادساً، توظيف كلّ ما تقدّم من أجل تحقيق ما يلي:

1 ـ إما فرض حكومة بشروط الرئيس الحريري، عشية إجراء الانتخابات النيابية، يُجرى عبرها رفع الحصار الأميركي الاقتصادي وتحقيق متنفس في الأزمة، عبر قروض ومساعدات عاجلة، وبالتالي تقوية فريق الحريري وحلفائه على حساب العهد وحزب الله وكلّ حلفائه من القوى الوطنية… بحيث يجري توظيف ذلك في الانتخابات لحصد أغلبية نيابية لمصلحة قوى 14 آذار.

2 ـ أو إبقاء البلاد تحت ضغط الأزمات الاقتصادية والخدميّة والمعيشية والنقدية، الى حين اقتراب موعد الانتخابات، وجعل الحملة الانتخابيّة محطة لتحميل التيار الوطني وحزب الله وكلّ حلفائه مسؤولية الأزمات، وتوظيف سلاح الخدمات والمال من قبل قوى 14 آذار في خدمة هذا الهدف.. أيّ محاولة الحصول على الأغلبية النيابية لاستعادة فرض سيطرتهم على مفاصل السلطة والتحكم بالقرارين السياسي والاقتصادي لتلبية الشروط والإملاءات الأميركية.. التي تصبّ في خدمة الأهداف والأطماع الصهيونية في لبنان…

لكن هل تنجح واشنطن وأتباعها في تحقيق أهدافهم؟

التجربة تبرهن بأنهم عندما كانوا في وضع أقوى من الآن عام 2005، اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان، واستتفار المذهبيّة إلى أقصى درجاتها انطلاقاً من توظيف دماء الرئيس الحريري للنيل من المقاومة وحلفائها، فإنّهم فشلوا، وعندما استنجدوا بالقوة الصهيونيّة لسحق المقاومة في تموز من عام 2006 مُنوا مع القوة الصهيونية بهزيمة كبرى وأصيبوا بالخيبة والخذلان… ولم تنجح محاولاتهم بعدها في إسقاط الدولة الوطنية السورية لكسر ظهر وسند المقاومة بواسطة جيوشهم الإرهابية.. واليوم لن تنجح حربهم لتجويع لبنان لدفع الجيش وجمهور المقاومة للانقلاب ضدّ مقاومتهم التي باتت أكثر قوة ومنعة، وهي تستند إلى قوة حلفها المتعاظم والجاهز لدعمها ومؤازرتها لتمكينها من تخفيف المعاناة عن اللبنانيين في الحصول على البنزين والمازوت والكهرباء. وهو ما وعد أمين عام حزب الله بتأمينه من إيران ـ الثورة في اللحظة التي تعجز فيه الدولة عن ذلك