على الرغم من الشُغور الذي حصل في عدد من مقاعد ​المجلس النيابي​، بحكم الإستقالة أو الوفاة، تمّ تجاهل الموضوع من قبل السُلطة في ​لبنان​، بما يُشكّل مُخالفة صريحة للدُستور. لكن هذا الأمر لن يتكرّر بالنسبة إلى الإنتخابات النيابيّة العامة في ربيع العام 2022 المُقبل، على الرغم من تخوّف جهات عدّة من إحتمال عدم تنظيمها. والسبب أنّ الضغط الدَولي على لبنان كبير جدًا من اليوم، لإنجاز هذا الإستحقاق، وهو مُرشّح للتصاعد بشكل واضح في المرحلة المُقبلة، وكذلك لأنّ قوى سياسيّة داخليّة عدّة تنتظر هذا الإستحقاق لمُحاولة التخلّص من خُصومها. فهل يُمكن من الآن الحديث عن رؤية أوّليّة للنتائج؟.

لو جرت الإنتخابات منذ بضعة أشهر، كانت مُطلق أيّ عمليّات تصويت وفق القانون النافذ حاليًا، لتعيد أغلبيّة القوى السياسيّة الرئيسة إلى المجلس النيابي، مع تسجيل تراجع لحجم العديد من الكُتل-وبنسب مُتفاوتة. لكن اليوم، تعاظمت النقمة على القوى السياسيّة عُمومًا، بسبب الإنهيار الذي إكتمل فُصولاً على مُختلف الصُعد، الأمر الذي يُنذر بخسائر كبيرة لكثير من هذه القوى عند إجراء الإنتخابات، في حال بقاء الأمور على ما هي عليه حاليًا، وبخسائر ضخمة في حال ساءت الأمور أكثر!.

ولا يخفى على أحد، أنّ من بين الأسباب المُتعدّدة التي أخّرت تشكيل الحُكومة حتى اليوم، حسابات إنتخابيّة دقيقة لكثير من الأطراف المَعنيّة، تُضاف طبعًا إلى الخلافات الداخليّة والتأثيرات الخارجيّة، إلخ. فالأولويّة لمُختلف القوى السياسيّة في لبنان حاليًا تتمثّل في تأمين أفضل فُرص لكسب تأييد المُناصرين المُعتادين، ومُحاولة سحب البساط من تحت أقدام قوى إنتخابيّة مُنافسة. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ إنتخابات العام 2022 المُقبلة ستكون الأصعب على مُختلف القوى السياسيّة التي برزت منذ العام 2005 حتى تاريخه، وذلك للأسباب التالية:

أوّلاً: بروز نقمة شعبيّة مُتناميّة على القوى السياسيّة التقليديّة، وتنامي نفس شعبي بضرورة تغيير هذه القوى والتصدّي للوائحها في أيّ محطّة إنتخابيّة.

ثانيًا: إستمرار الإنهيار الإقتصادي-المالي الحاصل في لبنان، وتسارع وتيرته في المرحلة الأخيرة، بما يُنذر بإحتمال الوُصول إلى موعد الإنتخابات في ظلّ أوضاع معيشيّة وحياتيّة كارثيّة، الأمر الذي سيرفع حتمًا نقمة الرأي العام، وسعيه للتغيير.

ثالثًا: تراجع قُدرات الإغراء التي كانت تلجأ إليها القوى السياسيّة، إن عبر التوظيفات، أو عبر الدعم المادي، أو حتى عبر الوُعود البرّاقة، إلخ. ما يفتح الباب أمام تراجع غير معروف الحجم من جانب المؤيّدين.

رابعًا: تراجع الإهتمام العام بالإنقسام السياسي التقليدي، وبالإنقسامات الطائفيّة والمذهبيّة، لصالح تقدّم الهمّ المعيشي والحياتي، الأمر الذي أفقد الكثير من القوى السياسيّة المعنى المَطلوب لحملاتها السياسيّة الإنتخابيّة المُعتادة.

من هنا، بدأت مُختلف القوى السياسيّة في لبنان بإعداد الدراسات الخاصة بالخطط الواجب إعتمادها للفوز بأكبر عدد من النوّاب، مع الأخذ في الإعتبار الوقائع الضاغطة المَذكورة أعلاه. وبدأت من اليوم تتوضّح الإجراءات التي سيتمّ اللجوء إليها، من الآن وحتى موعد تنظيم الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، وأبرزها:

أوّلاً: السعي للتنصّل من السُلطة، حيث تتسابق الأحزاب والتيّارات وبعض الشخصيّات التي تُصنّف نفسها مُستقلّة، على الخروج ممّا كان يُعتبر حتى الأمس القريب، "جنّة الحُكم"، وذلك لأنّ بناء الحملات الإنتخابيّة من موقع المُعارضة أسهل بكثير من موقع السُلطة. وكلّما زادت الأوضاع المعيشيّة والحياتيّة سوءًا، زادت فعاليّة خطاب المُعارضة، وحملات التهجّم على القوى والجهات في السُلطة.

ثانيًا: السعي لإعادة إحياء إنقسامات سياسيّة وتقوقعات طائفيّة ومذهبيّة تُعمي الناخب عادة وتدفعه إلى التصويت غرائزيًا. وهذا المنحى الذي لا يزال خجولاً حتى اليوم، مُرشّح للتصاعد تدريجًا مع الإقتراب من موعد الإستحقاق الإنتخابي، حيث ستتصاعد الحملات الإعلاميّة المُتبادلة المبنيّة على إلقاء مسؤولية كل ما حصل على جهة أو على جهات سياسيّة مُحدّدة، وفق أجندة تخدم الطموح الإنتخابي.

ثالثًا: السعي لتأمين دعم مالي من قبل بعض رجال الأعمال الأثرياء، ومن قبل جهات خارجيّة أيضًا، للوُقوف إلى جانب المُناصرين والمؤيّدين في الأشهر المُقبلة التي ستسبق الإنتخابات. وهذا الأمر مُرشّح للتصاعد تدريجًا، وهو سيشمل مُساعدات طبّية، وتربويّة، وعينيّة، وحتى ماليّة من قبل البعض، في مُقابل أنواع أخرى من الرشوة ستلجأ إليها قوى لا تزال نافذة في الحُكم، لجهة إدراج أسماء مؤيّدين ومناصرين ضُمن لوائح البطاقة التمويليّة المَوعودة.

رابعًا: السعي لعقد تحالفات إنتخابيّة مع شخصيّات مُعارضة مَحسوبة على "​الثورة​"، وذلك للظُهور بمظهر مُعارض وبمظهر مُؤيّد للقوى التغييريّة الراميّة إلى قلب تركيبة الحُكم جذريًا. ويهدف هذا المنحى أيضًا إلى التسبّب بإنقسام جماعات وهيئات "الثورة" التي يُمكن أن تحقّق إنتصارات كبيرة في حال وحّدت لوائحها، وأن تلقى هزيمة كبرى وصادمة في حال خاضت الإنتخابات بأكثر من لائحة مُتنافسة. وليس بسرّ أنّ إنقسام لوائح جماعات وهيئات "الثورة" سيُفيد تلقائيًا القوى السياسيّة التقليديّة التي تتفوّق عليها بأشواط على المُستويات اللوجستيّة والتنظيميّة، إلخ. يضًا،

في الخلاصة، الصُورة لا تزال ضبابيّة حتى تاريخه، وهي ستزداد وُضوحًا وإنقشاعًا مع الإقتراب أكثر من موعد الإنتخابات، لكنّ الأكيد أنّ أحدًا غير مُهتمّ حاليًا بإنقاذ لبنان–الوطن، و​الشعب اللبناني​، حيث أنّ التركيز هو على كيفيّة إنقاذ هذا الحزب أو التيّار، أو ذاك المرشّح أو "الزعيم"، ولو على حساب دمار وخراب ما تبقى من أسس للكيان اللبناني. بكل بساطة، إنّ معركة الوُصول إلى البرلمان مَفتوحة على مصراعيها... ولوّ على حساب سُقوط لبنان!.