قليلون، لا بل نادرون من لا يعرفون القديس شربل مخلوف في العالم، فهو بات على كل شفة ولسان، وعجائبه التي استجاب لها الله، لا تنضب، بل تتجدد يوماً بعد يوم في سجل دير مار مارون-عنايا. أحب شربل الله حتى النهاية، واحبّه الناس لانه احب الله، فبدأت سلسلة المحبة تتسع وتجذب المزيد من الناس في اربعة اصقاع العالم. صحيح ان شربل ليس يسوع المسيح ولن يكون، وليس هدفه ان يكون مكان الله وهو ارتضى ان يقدم ذاته اليه ليفعل به ما يشاء، وصحيح انه لا ينافس العذراء مريم على مقامها ومكانتها فهي ام الله، وهو الذي كان يلجأ الى شفاعتها ويمسك بيدها كإبن بار يسمع وصيتها عن يسوع: "افعل كل ما يأمرك به". شربل هو بالنسبة الى الناس، قريب من الله، وعندما يتوجهون اليه بالصلاة وطلب الشفاعة والمساعدة، انما يؤمنون بأن صوته سيكون اقرب الى الله من صوتهم، ليس من باب التمييز، فالله لا يميّز بين ابنائه، انما من باب الوزنات والقدرة على تحويلها الى رصيد دائم في مصرف الملكوت والمحبة، فكيف لسيد الملكوت ان يرفض شيكاً من المحبة صادر عن احد مودعيه الدائمين، لصالح احد ابناء الله؟ ليست الامور معقدة، فالله اراد ان تكون العذراء مريم والقديسين، محطات عديدة على درب الخلاص، لتقوية وتعزيز الزخم لدى من يسير على هذا الدرب.

يعطينا شربل وغيره من القديسين، لمحة كافية ووافية عما ينتظرنا اذا كنا فعلاً قد سلمنا انفسنا لله، وهو يزيل بالتالي اي شكوك حول ما ينتظرنا في هذا المجال. فالمؤكد ان شربل المائت في الارض عنها، لا يزال ينعم بحياة راغدة في جوار الله، وهو حي بالفعل والقول لانه يتفاعل معنا ومع كل طلب لنا اذا كان هدفه التقرب من الله، وهو يدرك انه يملك "تفويضاً" الهياً بتلبية كل ما من شأنه عودة "الخراف الضالة" الى حظيرة الآب السماوي. ما عاشه شربل على الارض، يصعب على الكثيرين ان يعيشوه، ليس لانه صعب، بل لانه غاية في البساطة والسهولة، وقد اعتدنا على تعقيد الامور وتغليفها بأوراق تجميلية سرعان ما تنتهي صلاحيتها. امضى شربل حياته يأكل ويشرب ويعمل وينام برفقة الله، قال في قرارة نفسه: لا حاجة لي سوى لله، فهو يكفيني. وبالفعل، كان الله يكفيه، فيما كان شربل في قمة سعادته كونه يلازم من احبه اكثر من كل شيء، وكل ما قام به كان لتمجيد الله، وهذا ما ميّزه عن غيره على هذه الارض، ومن بعدها انتقاله الى السماء حيث لا نهاية للحياة.

قصة شربل مع الله هي قصة حب لا تنتهي، وقصة الناس مع شربل هي قصة تعلّق بالله من خلال قديسه، وهي ايضاَ لن تنتهي لانها مستقاة من نبع المحبة وتصب فيه، فهو البداية والنهاية... تمجد الله في قديسيه.