لا يغيب 4 آب عن بالٍ وضمير. هو ليس تاريخاً يتكرّر مرّةً كلّ عام. هو ألمٌ مستمرّ. ومهما كان ألمنا كبيراً فهو لا يوازي ما أصاب عائلات الضحايا ومَن نُكبوا بإصابةٍ أو فقدوا بيتاً أو مؤسّسة، ولا مَن يعوّض في دولةٍ منهارة.

لكنّ ​انفجار​ 4 آب ليس، فقط، صنيعة مسؤول سياسيٍّ أو أمنيٍّ أو قضائيٍّ أو إداريٍّ أهمل أو قصّر، أو حتى تآمر. هو نتيجة تراكم في سوء إدارة هذا البلد منذ انتهاء الحرب.

لقد تصرّف من أدار ​الدولة​، بعد الحرب، بمنطق الميليشيا، ولكن مع ربطة عنق وحقيبة جلديّة وملفات، بدل البندقيّة والجعبة ومخزن الأسلحة. لقد ساد ​الفساد​ وانتشر في جسد الدولة. في كلّ إدارة ومؤسسة. في كلّ تفصيل. في ال​مساعدات​ التي تأتي من الخارج، وفي مدّ اليد إلى أموال الخزينة، وفي مختلف القطاعات. لم تُبنَ دولة. لا ​سوريا​ الوصيّة بَنتها، وهذا ليس دورها، ولا الحكومات المتعاقبة، بل كان السباق الى ​السلطة​ سباقاً ل​تحقيق​ المكاسب وتأمين الزبائنيّة، فأُغرِقت الإدارات بفائض ​الموظفين​ وتسابقت ​الطوائف​ على التوظيف العشوائي، وكان تنافسٌ على الفساد بدل التنافس على الإصلاح.

أما في مرحلة ما بعد العام 2005، وانسحاب ​الجيش السوري​، فبانت عيوب النظام أكثر، وبات اهتراء الدولة أكبر. الحكومات تساوت بالفشل، و​المجلس النيابي​ يشرّع، غالباً، حبراً على ورق لأنّ السلطة التنفيذيّة تحجم عن تطبيق القوانين، والدليل الكثير من الحقائق التي كشفت للمرة الأولى قبل سنوات من الإنهيار والإصلاحات التي أقرّت في ​لجنة المال والموازنة​ ولم تجد طريقها الى المتابعة والتنفيذ. والموظفون، من الفئة الأولى ونزولاً، تحميهم طوائفهم إن هم خالفوا أو قصّروا. حتى في ​انفجار المرفأ​، وهو كارثة كبرى على الصعيد الإنساني، برزت حمايات طائفيّة وارتفعت حصانات، وكأنّ ​العدل​ في ​لبنان​ يقف عند عتبة الطائفة ويعجز عن تجاوزها، والأمثلة كثيرة حتى بات ​الحياد​ والتدويل الملجأ والمطلب لجميع اللبنانيين وليس فقط لسيد بكركي التي كانت وستبقى ​صوت الحرية​ والضمير الوطني .

أما بعد، فلبنان اليوم أمام سيناريو قد يكون أسوأ من كلّ ما شهده في ما مضى من سنوات، ونخشى أن يكون أمام ضررٍ ماديّ أكبر بكثير من 4 آب.

إنّ ما نسمعه يوميّاً، من خلال التماسّ اليومي مع الناس كما من خلال الإعلام، من مآسٍ ترتبط ب​العجز​ عن تأمين الطبابة و​الدواء​، كما المواد الأساسيّة من مازوتٍ وطعامٍ، ينذر بانفجارٍ اجتماعيّ كبير قد تفصلنا عنه فترة زمنيّة غير بعيدة.

إنّ انفجار 4 آب جاء مفاجئاً صاعقاً، ولو عرفوا، حتى من ستثبت لاحقاً إدانتهم بالإهمال، بأنّه سيحصل لتجنّبوه بالتأكيد. ولكنّ الانفجار الاجتماعي ممكن تجنّبه إن قمنا بسلسلة خطواتٍ تبدأ بتشكيل ​حكومة​ توقف الانهيار، ثمّ تباشر بخطواتٍ إصلاحيّة وبالتفاوض مع ​صندوق النقد الدولي​، لا عنه كما فعلت ​حكومة حسان دياب​، كما مع ​المجتمع الدولي​ الذي يَعِد بمساعدات مرتبطة بالإصلاحات.

إنّ 4 آب الكبير آتٍ على لبنان، وحينها لن ينزل أهالي الشهداء بالعشرات الى الطريق للمطالبة بالعدالة، بل سيكون ​الشعب اللبناني​ كلّه حاضراً للمطالبة بعيشٍ أفضل وبكرامةٍ أكثر وبأملٍ أكبر.

4 آب الكبير آت، ولكن يمكننا تجنّبه، من أجل الناس ومن أجل لبنان.