بعد مُرور أيّام على إحياء الذكرى السنويّة الأولى لكارثة إنفجار مرفأ بيروت، إستفاق اللبنانيّون على مصيبة جديدة تمثّلت بإنفجار خزّان مَحروقات في بلدة تليل في عكّار، ما أسفر عن وُقوع عشرات القتلى والجرحى. وإذا كان الإهمال وغياب سُلطة الدَولة هو الجامع المُشترك بين الكارثتين، فإنّ التهرّب من تحمّل المسؤوليّة بعد كل مُصيبة، وعدم مُحاسبة أيّ مسؤول، هو ما يُبقي الوضع في لبنان مُشرّعًا على الكوارث على أنواعها. والمُفارقة أنّ الكارثة الأخيرة مُرتبطة مُباشرة بمسألة الدعم والتهريب المَفتوحة على مصراعيها، بفعل إستمرار الدعم. فماذا سيحصل في هذا الصدد؟.

لا شكّ أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مُصمّم على وقف دعم المَحروقات بحجّة نفاد الأموال لدى المصرف المركزي، بإستثناء ما يُعرف بإسم"الإحتياطي الإلزامي". وهو–بعد إستهلاك الكميّات المُخزّنة محليًا، لن يقوم بفتح أيّ إعتمادات جديدة للإستيراد ما لم يحظ بغطاء قانوني لإستخدام أموال "الإحتياطي". وليس بسرّ أنّ رفض رئيس حُكومة ​تصريف الأعمال​ حسّان دياب الإستجابة لدعوة رئيس الجُمهوريّة العماد ​ميشال عون​، لعقد جلسة إستثنائيّة للمجلس المُستقيل والبحث في هذه ​الأزمة​، يعود إلى رفض دياب إلقاء تبعات البدء بالصرف من إحتياطي المركزي عليه وعلى حُكومته. والسبب بحسب المَعلومات المُتوفّرة، وُجود أكثر من جهة سياسيّة وقانونيّة تتحضّر لرفع دعاوى قضائيّة، محليًا وأمام محاكم دَوليّة، على أيّ مسؤول يُجيز الصرف ممّا تبقّى من أموال لدى المصرف المركزي. ويتردّد أنّ هذه الدعاوى لن تكون شكليّة، وهي يُمكن أن تتسبّب بمتاعب قضائيّة كبيرة للجهات التي سيتمّ الإدعاء عليها.

إشارة إلى أنّ الخيار الثاني الذي يتمّ إقتراحه لصرف أموال الإحتياطي على الدعم، عبر المُرور بقانون يُجيز هذا الأمر يصدر عن مجلس النوّاب، غير سالك بدوره. والسبب أنّ عدد النوّاب وأعضاء الكُتل الذين يرفضون السير بهكذا قانون يفوق عدد النوّاب وأعضاء الكُتل المُستعدّين للتوقيع عليه. وبالتالي، إنّ إستمرار حاكم المصرف المركزي في رفض تمويل الدعم بعد اليوم، وإستحالة تأمين تغطية قانونيّة له، إن من جانب الحُكومة المُستقيلة أو من جانب مجلس النوّاب، يعني أنّ الوضع المأساوي الحالي على صُعد الكهرباء و​البنزين​ و​المازوت​، إلخ. مُرشّح للإستمرار حتى إيجاد البدائل.

يُذكر أنّ إستمرار الدعم من أموال المُودعين كارثيّ، لأنّ هذا الدعم لا يصل إلى المُواطنين، بل إلى جُيوب كبار التُجّار والمُحتكرين، وإلى جيوب مافيات المُهرّبين الصغار والكبار، ومن يدعمهم ويُغطّيهم ويحميهم. وكارثة عكّار في الساعات الماضية هي عيّنة عن الوجهة التي تذهب إليها المواد المَدعومة، لجهة تخزينها بشكل غير شرعي، إمّا لبيعها لاحقًا بأسعار باهظة عند ​رفع الدعم​، وإمّا لتهريبها إلى سوريا، وفي الحالين الهدف هو ​تحقيق​ ثروات خياليّة في غُضون فترات زمنيّة قصيرة، وذلك على حساب حُقوق الناس،والمُودعين بشكل خاص. ويبدو أنّ السُلطة التي لم تردّ ديونها الماليّة للمصارف، والتي واصلت سياسة الهدر المالي على غرار كلّ السُلطات المُتعاقبة منذ ثلاثة عُقود حتى اليوم، مُصمّمة على صرف ما تبقّى من أموال المودعين حتى آخر ​دولار​، لمُواصلة تخدير الناس ولتأجيل الإنفجار الكبير بوجهها قدر المستطاع. وهناك من يعتبر أنّ تطبيق قرار رفع الدعم بشكل فوري، سيُفجّر الوضع الإجتماعي بشكل جُنوني، بينما الإستمرار بالدعم–حتى لوّ ممّا تبقّى من أموال المٌودعين، يُكسب السُلطة المزيد من الوقت وُصولاً ربّما إلى الإنتخابات النيابيّة، علمًا أنّه تُوجد حاليًا آمال بقُرب ولادة الحُكومة، وبقُرب الحُصول على مُساعدة ماليّة-ولوّ صغيرة، من ​صندوق النقد​ الدَولي.

ويُمكن القول إنّه حتى هذه اللحظة لا يُوجد أيّ خطّة إصلاحيّة أو إنقاذيّة، ولا أيّ خُطة لوقف الإنهيار أو حتى لإبطاء سرعته، وكلّ ما يحدث هو عبارة عن مُحاولات لكسب الوقت، عبر تأجيل الكارثة الكُبرى المُتمثّلة بإعلان الإنهيارالمالي الكامل، في ظلّ تقاذف مُعيب للمسؤوليّة، وتراشق إعلامي يهدف إلى إضعاف المُنافسين شعبيًا، وذلك على أمل تحقيق بعض المكاسب الحزبيّة الضيّقة في الإنتخابات المُقبلة، ولوّ على حساب الضحايا الأبرياء. وكارثة بلدة تليل وما تلاها، هي خير دليل على الحال التي وصلناها في لبنان، ليس فقط على مُستوى العجز في ضبط التُجّار المُحتكرين، والمُهرّبين غير الشرعيّين، بل أيضًا على مُستوى حالات الفقر والذلّ واليأس التي باتت من يوميّات كلّ لبناني، بحيث يتقاتل الناس على تنكة بنزين!.

في الختام، ولأنّ إستقالة المَسؤولين عن الكوارث، وعن التقصير الفادح في تأمين أبسط مُقوّمات الحياة، غير واردة، طالما أنّ كل مسؤول يتهم الآخرين بالفشل ويُبرّئ ويستثني نفسه، قد يكون المخرج الوحيد المُتاح في المرحلة الراهنة-في إنتظار الإنتخابات المُقبلة، هو تشكيل حُكومة سريعًا، ومُحاولة إيجاد تمويل خارجي للحفاظ على صُمود المُواطنين المعيشي، لأنّ رفع الدعم كارثي، وعدم رفع الدعم يعني توقّف كل الخدمات وكل أشكال الحياة المُتحضّرة خلال أيّام قليلة!.