أمي نوال،

يا حبي الباقي إلى الأبد، يا زنبفة نقية أطلت في فجر عمري، يا شمسي، يا قديستي الغالية، يا نبض قلب جيلبير...

إليك يا أمي أهدي حبي وشوقي لرؤية وجهك الذي كنت أراه يشع حبا وحنانا كلما التقيتك بعد طول غياب!

منك أمي تعلمت دروس ​الحياة​ الاولى، والمثل التي تبعتها والتي لازمتني في مسيرتي نحو النجاح!

دعواتك لي ولأولادي ورضاك علي هما سر نجاحي في غربتي...

لقد علمتني ان الإيمان بالله وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون مقرونا بالأعمال الصالحة: "لأن الإيمان بدون أعمال مائت هو"، والاعمال اذا لم تكن نابعة من ​المحبة​ والرحمة هي باطلة...

وإن رسالتي التي نذرت نفسي لها يعود الفضل في نشأتها لك يا أمي...!

لقد ورثت عنك حب الناس وحب العطاء والرحمة والعطف والشفقة...

مما دفعني لولوج أبواب الخدمة الاجتماعية من خلال: مكافحة الغقر، ومكافحة الجهل والتعصب، والاهتمام ب​الأطفال​ المتروكين والمهمشين والمسنين، وترميم دور العبادة والصروح الدينية، وانشاء ​المدارس​ في العديد من البلدان الفقيرة دون مفاضلة بين الأعراق والأديان والاوطان... وهذا من فضل كرم ربي علي، وليس منة...

ان همي الاكبر الاّ يبقى طفل بدون مدرسة، والّا يبقى مسن بلا مأوى... والاّ يبقى بيننا محتاج وجائع ، وأن يكون الرغيف بيننا مشتركا وكل شيء....

ان أخطر أنواع ​الأمراض​ في المجتمع: الجهل والاجرام والتعصب، وسببها ​الفقر​، والفقر هو عقبة في كل إصلاح اجتماعي...

وأسباب الفقر تعود إلى فقدان الروح الإنسانية لدى المسؤول في أي بلد كان... وأيضا نتيجة لسوء الحالة الاقتصادية وسوء النظام الاجتماعي...

الفقير لديه عزة نفسه وهو لا يطلب إحسانا بل يطلب حقا له على دولته ان يعيش موفور الكرامة... ولكن في غياب السلطات المختصة بالأوضاع الإجتماعية، للمواطن، لا بد من مد يد المساعدة واعانة المحتاجين...

ولكن درج ان بعض الموتورين ينظرون الى وجود غايات، لنا، من فعل الخير وقد اغفلوا بواعثنا، والتي لم تكن يوما بدافع الظهور والمفاخرة او الزهو... فنحن لسنا في حالة سباق معهم على المناصب والمراكز... ولم يكن يوما هذا باعثنا... لا بل ان جميع أعمالنا الإنسانية الطيبة تعود لخير المجتمع بمن فيهم الذين يسيؤون الينا، لأننا نؤمن بالعدالة الاجتماعية... ولأننا تربينا على المحبة.

هكذا ارادنا الرب ان نحب بعضنا بعضا وان لا نحقد عل احد وان نسامح من يسيء لمسيرتنا... وهكذا ربتنا أمي نوال التي، لن تكفي كل كلمات الحب والامتنان ان تعبر لها عما يعتمر في صدري... لتدوين كل مآثرها:

أمي الغالية، يوم ارتبطتما أنت وابي، تعاهدتما على الوفاء وان تبقيا شريكين "مرتبطين سويا برحلتكما من الأرض إلى السماء"!.

قررتما العيش احدكما من أجل الآخر ومن أجل كل واحد منا، لا كل واحد من أجل نفسه فقط...، "أي حياة ضبط للنفس وقناعة وانكسار وتواضع أمام الرب القدوس..."

ان هذه الروابط قد اصبحت، اليوم، نادرة في عائلاتنا وفي مجتمعنا...

لم يعد أحد يرضى بالقليل وحتى بالكثير... بل أصبحت الأنانية مسيطرة، وبات كل واحد يحيا لنفسه فقط!

امي، كل يوم يمر من عمري، على رحيلك، يزيد في داخلي عاطفة التقدير والاحترام والمحبة والامتنان لكما أنت وابي، ويزيد في شعور الحزن لفقدان جوهرتي الثمينة: "أمي نوال"!.

انا بفضل توجيهاتك أمي عشت في مأمن من الرذائل وجاهدت في الغربة وصبرت ونجحت... وما حنيت الركبة سوى لله، وبقيت مرفوع الرأس، وما خفت من قوي او ظالم، بل بقيت ادافع عن الحق بكل جرأة، وناصرت كل مظلوم ومضطهد!. وسابقى أواصل الطريق الذي رسمناه معا حتى آخر يوم من عمري..

هذه هي رسالتي ان أبقى إلى جانب الحق وإن ادافع بشراسة عن حقوق الشعوب المقهورة من خلال "مؤسسة ​جيلبير المجبر​ الاجتماعية"، وهذا هو شعاري: "لقد نذرت نفسي لخدمة الناس".

ولن اعبا بما يقوله ويشيعه الحساد النمامين، وأصحاب القلوب الحاقدة الذين قلوبهم قاسية لا تعرف قيمة الرحمة والعطاء... ولا يتقون الله بما هم فاعلون، لأن الجهل والغباوة قد اعميا بصائر قلوبهم!.

ولن أنتظر المكافأة من احد، ولا اعتراف أحد بما أقوم به من أعمال الخير... فالله وحده يعرف البواعث والنوايا، وهو الذي ينصغنا.

المسيح​ قام... ونحن شهود على ذلك!.