بعد ان تيقنت اميركا مع ما تجره من اذيال إقليمية و دولية تسميهم حلفاء او شركاء لها ، طبعا شركاء في العدوان و التآمر على الشعوب ، بعد ان تيقنت من فشل عدوانها على سورية و تاليا على محور المقاومة و مع ارساء معالم هزيمتها الاستراتيجية المدوية في أفغانستان باتت تركز على الحرب الاقتصادية و الإرهاب الاقتصادي الذي تعول عليه ليعوض فشلها في ميادين المواجهة النارية و العملانية وكان لبنان مستهدفا مع سورية بهذه الحرب الوحشية التي طالت المواطن اللبناني في اهم حاجاته الحياتية كالدواء و الغذاء و الطاقة على أنواعها .

اعتقدت اميركا ان هذه الوحشية التي تمارسها خنقا وحصارا ضد لبنان ومع وجود عملاء لها فيه خانوا بلادهم وخانوا شعبهم وانصاعوا لها في تحقيق ما تريد ارتكابه من جرائم بحق لبنان والمواطن اللبناني، اعتقدت اميركا انها ستثير الشعب على المقاومة وتجعل الأخيرة تنكفئ عن مشروعها الاستراتيجي للتحرر الوطني والقومي والإقليمي وتستسلم لها تحت ضغط المعاناة الشعبية وتقدم راسها منصاعة وتتنازل عن مكتسباتها التي حققتها خلال العقدين الماضيين.

اعتقدت اميركا ان حرمان الطفل في لبنان من الحليب و حرمان المريض من الدواء و حرمان المودع المصرفي من أمواله ، و حرمان المواطن من الكهرباء و الماء و البنزين و المازوت و الغاز المنزلي ، هذا الحرمان الموجع و المتعدد العناوين و الاشكال سيتسبب كما ظنت بكسر إرادة لبنان ومقاومته و حمله على التراجع عن حماية الوطن و الدفاع عن حقوقه و السكوت عن احتمال استجابة هذا او ذاك من المسؤولين في لبنان للإملاءات الاميركية و القبول برسم حدود برية جديدة مع فلسطين المحتلة طالما روج لها لتعطي إسرائيل اكثر من ٢٠ مليون متر مربع من الأرض اللبنانية و القبول بترسيم حدود بحرية تعطي إسرائيل اكثر من ١٤٥٠ كلم٢ من المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة للبنان دون ان ننسى السعي الاميركي الإسرائيلي الدائم لتوطين الفلسطينيين في لبنان .

لقد منعت اميركا وبكل صلافة وفجور ووقاحة، منعت الاستثمار الأجنبي في لبنان خاصة الصيني والروسي والايراني وتسببت عبر عملائها في القطاع المصرفي في انهيار هذا القطاع ما جعل الاموال بعيدة عن متناول يد أصحابها، وقادت لبنان الى الفراغ السياسي والانهيار النقدي والاقتصادي ووضعت لبنان على شفير المجاعة ما حمل الكثير من أبنائه على السفر الى الخارج هربا من الجحيم المخطط أميركيا و المنفذ بايدٍ لبنانية، وقد يكون افراغ لبنان من شبابه هو أيضا هدفا من اهداف السياسة العدوانية الاميركية أيضا.

لقد تسبب الحصار الاميركي و الاحتكار و الوكالات الحصرية و الجشع لدى التجار و ممارسة النهب و الفساد المليشوي في تداول المحروقات و الدواء و بعض حاجات صناعة الرغيف ، تسبب في نشوء ظاهرة التجارة غير المشروعة و قيام السوق السوداء ووضع البلاد على عتبة مرعبة من التوتر و الصدام داخل المجتمع و الأخطر من ذلك خلق نوعا من انغلاق المناطق على نفسها ممهدا لما يمكن تسميته "الاقتصاد الذاتي" على صعيد المناطق و بعض شرائح الطوائف و الأخطر من ذلك ما يمكن وصفه بانه مقدمات ل"فيدرالية اقتصادية" تفرض بالأمر الواقع وقد يتخذها البعض مدخلا لفيدرالية سياسية راج الحديث عنها او الدفع اليها خلال الأعوام القريبة الفائتة .

لقد وضعت السياسة الاميركية المخططة للبنان و المعتمدة في تنفيذها على لبنانيين ، وضعت لبنان امام تحديات خطيرة لا تقتصر على الشأن المعيشي بل تتعداه و للأسف الى الشأن الوجودي و الكياني من خلال

الدفع الى الهجرة و تفكك المجتمع و ضمور العلاقات الاجتماعية و الحد من الزواج و التسبب بانهيارات متعددة في مؤسسة الزواج ذاتها ، بعد ان تعطلت عجلة الإنتاج الاقتصادي و تراجع الدخل الفردي و العام و انخفضت القيمة الشرائية للرواتب و الأجور و رغم ذلك تستمر اميركا في سياستها في الإرهاب الاقتصادي و حماية عملائها من جلادي الشعب وارباب النهب و الفساد في أروقة السياسة و الاقتصاد و المال و المجتمع مع رواج بدعة ال N.G.O أي المنظمات غير الحكومة التي انتشرت بشكل عجائبي بإرادة أميركية واضحة رمت الى جعلها بديلا عن دولة قيد التفكك و الانهيار .

ورغم ما تقدم من سوداوية المشهد اللبناني وحراجته وصعوبته وخبث اميركا ولؤمها ولا إنسانيتها في صنعه وسفالة ودناءة واجرام لبنانيين ساعدوها في عدوانها و ارهابها فأننا لا نرى العلاج والدفاع امراً ميؤوساً منه او ان العدوان بات في وضع مقطوع بنجاحه. بل أقول رغم كل ذلك فان منظومة العدوان والإرهاب الاقتصادي بوجهيها الداخلي والخارجي، على قدر من الوهن تنبئ فيه بان مواجهة جادة مدروسة تمكن من اسقاط العدوان وتمنعه من تحقيق أهدافه ونقدم دليلا على ذلك ما قامت به المقاومة في موضوع استيراد النفط من إيران حيث تصرفت على أساس ان الإرادة الاميركية ليست قدرا لا يرد او من قبيل الامور التي لا تواجه.

فالمقاومة التي خبرتها اميركا وإسرائيل في الميدان، كان لها في النفط جواب وموقف يسفه غرور اميركا ويفضح سوء التقدير لديها ويكشف جهلها بطبيعة المقاومة ونهجها ومنهجها ومبناها العقائدي والتنظيمي ويرسل لها الرسائل الواضحة والقاطعة بان من هزم العدوان الأجنبي في الميدان لن يستسلم له تحت أي ضغط اقتصادي مهما كان نوعه ومهما كان أثره. فللمقاومة أساليبها التي تمكنها ان تتفلت من مكائد العدو مهما تنوعت واشتدت.

وفي هذا السياق أي الرد على الحصار الاميركي للبنان وإيران وسورية اختارت المقاومة ان تنفذ عملية اقتصادية مثلثة الاضلاع تشارك فيها الاطراف الثلاثة المستهدفة بالإرهاب الاقتصادي الاميركي (إيران لبنان سورية) فجهزت سفينة شحن نفط، اعتبرتها المقاومة ارضاً لبنانية لنقل نفط إيراني الى ميناء سوري لسد حاجة مستهلك لبناني، فكانت عملية تجارية منظمة أحسن اختيار موضوعها وأسلوب تنفيذها ووسائل حمايتها.

لقد اربكت المقاومة بقرارها اميركا و إسرائيل و جعلتهما تتيقنا ان المقاومة تعرف كيف تحول التحدي الى فرصة و كيف تنجح باستثمارها ما جعل اميركا تبدي استعدادا للتراجع عن بعض سلوكيات الحصار فكان موقف سفيرتها في بيروت المعلن لتسهيلات أميركية للبنان لتمكينه من استجرار الكهرباء من الأردن و الغاز من مصر و كله عبر سورية ٫ ثم كان موقف السناتور الاميركي مورفي المتحدث باسم وفد الكونغرس الى لبنان و الذي رغم ظاهره فانه يستشف منه تراجعا أيضا عبر قوله ان "واشنطن تبحث عن سبيل لتزويد لبنان بالمحروقات من دون عقوبات" ، لان ما تقوم به المقاومة من استيراد من ايران هو على حد زعمه خاضع للعقوبات لان "أي وقود يجري نقله عبر سوريا خاضع للعقوبات".

فاذا كان قرار واحد بالمواجهة جعل اميركا تتراجع امام المقاومة وتفك الحصار و لو جزئيا ، رغم انها رفضت في السابق طلبات لبنان ذات الصلة وعلى مدار سنتين متتاليتين واليوم جاء قرار المقاومة فأجبرها على اظهار الاستعداد لفك جزئي للحصار لان المقاومة وضعتها امام خيارين: " فكوا الحصار بأيديكم او نكسر الحصار بأقدامنا " اما التهديد والتهويل فانه لن يلقى عند المقاومة اذنا تهتم ولن تكون مفاعيله الا مزيدا من الجهوزية للمواجهة التي نعلم ان اميركا المنكفئة وإسرائيل المتخبطة لن تبادرا اليها وان فعلتا فإنهما ستندمان.

و عليه نقول ان على لبنان ان يتخذ من قرار المقاومة استيراد النفط من ايران و عبر سورية نموذجا يحتذى للتعامل مع اميركا و مواجهة حصارها و املاءاتها ، و على المسؤولين في الدولة ان يعلموا ان المقاومة التي انطلقت لتحرير الأرض بعد ان عجزت الدولة عنه ،ستكون جاهزة لسد أي عجز او تلكؤ و على طريقتها و وفقا لأساليبها لمواجهة الحصار و الإرهاب الاقتصادي الاميركي حتى تحمي لبنان و شعبه ، اما القول بان "اميركا ستستمر بالحصار حتى الاستسلام او الاندثار" فانه قول فيه من الخنوع و التشاؤم ما لا يتوافق مع نهج المقاومة التي ترى ان اميركا ستتراجع عن الحصار و سيبقى لبنان كما تريده المقاومة .