لم يبقَ بيتٌ في لُبنان -وليس في بيروت فقط- إِلَّا وأَدمع لكثرة ما سمعت جُدرانُه مِن حكايا الحُزن، في مسيرة البُؤس الطّويلة عندنا، مُنذ ​4 آب​ 2020. وأَنت إِن تَجوّلت في العاصمة فتكاد حيطانُها تَتلو عليك حكايا البُؤس والشّقاء وآياتٍ مِن حسرات القلوب المفجوعة... لذا فقد تُشخّص المُقاربة الصّحافيّة الجديدة، وتُحدّد مِن مشهديّةٍ أُخرى، طبيعةَ المُذنبين في هذا الملفّ المُعقّد... ملفّ "مُحاكمة حيتان المال والإِهمال في قضيّة تفجير مرفإ بيروت".

والمُقاربة الجديدة للقضيّة، لا تُركّز على ضحايا تفجير المرفإِ وذويهم، على رُغم أَهميّتها مِن النّاحية الإِنسانيّة، لأَنّ أَخبار هؤلاء حُفظت عن ظهر قلبٍ... ولكنّ السُّؤال هذه المرّة، عن يوميّات المُذنبين في هذه القضيّة، مُنذ 4 آب إِلى يومنا هذا؟ وكيف هُم يعيشون؟... وإِنّما ذلك لا ينطلق مِن باب انشغال البال عليهم، وإِنّما مِن مبدإِ أَنّ المحكمة تُضيء على القاتل، وتترصّد خُطواته الإِجراميّة... أَكثر مِن التّركيز على الضّحيّة، بخاصّةٍ وأَنّ القاتل ما زال يحوم حول مكان الجريمة، مُستثمرًا دماءً طاهرةً أَزهقها بما اقترفته يداه أَو إِهماله، وانتماؤه إِلى فصيلة "حيتان المال والإِهمال". و"حيتان المال" هي عبارةٌ أُطلقَت بوتيرةٍ مُرتفعةٍ مُنذ مُنتصف تسعينيّات القرن الماضي، في فترة إِعادة إِعمار بيروت، حين أَزكم الفسادُ المُستشري أُنوف اللُبنانيّين، من دون أَن يُشار إِلى "نفرٍ واحدٍ" مِن فصيلة "الحيتان" تلك، أَو يخضع للمُساءَلة القانونيّة... وصولًا إِلى انفجار المرفإ. وأَمّا ما بعد الانفجار المشؤوم، فيبدو أَلّا شيء تغيّر، بل على العكس، فقد زاد نَهَم هؤلاء، واستفحل جشعُهم اللامُتناهي... وبدأت تظهر حيتانٌ مِن نوعٍ آخر!. وما يجمع بينهُم إنّما هي أَنشطتهم الإِجراميّة. وهُم إِلى ذلك أَشباحٌ، بمثابة شتيمةٍ مجهولةٍ تُطلقُ في سياق الحديث عن فاجعة مرفإِ بيروت... شتيمةٍ غير مُحدّدةٍ، وحمّالةٍ لصفاتٍ كثيرةٍ يجمع القُبح والرّذالة في ما بينها. ولو كان ثمّة تحديدٌ ملموسٌ لهَؤُلاء القتلة، لانْتَفَت صفتُهم "الشَّبحيَّة"!.

ذوو الضّحايا

مِن الأَمثلة الشّعبيّة اللُبنانيّة القَوْل المَأْثور: "الجمرا (أي النّار) لا تحرق إِلَّا موضعها"، وهذا ما ينطبق إلى حدّ كبير على وضع أَهالي ضحايا انفجار المرفإ. فهُم الآن سيّان عندهُم ملفّ تشكيل الحُكومة المُتعثّرة في لُبنان أَو عدم تشكيلها... لأَنّ الأَولوليّة هي معرفة كُلّ الحقيقة في شأن مَن تسبّب في رحيل فلِذات أَكبادهم، ويبغَوْن معرفة كُلّ هؤُلاء و"كلُّن يعني كلُّن"... ولسان حالهم في هذه الحال، هو ما قاله البطريرك المارونيّ بشارة الرّاعي خلال عظة الأَحد في 29 آب 2021: الرّاعي إِنّه "ضدّ تسييس التّحقيق في انفجار المرفإِ... وتطييفه... وضدّ استثناء أَحد!". ويقول أَيضًا أَهالي الضّحايا في حديثهم عن السّياسيّين: "فلتَذْهَب عِقَد تأليف الحُكومة إِلى الجحيم... فما يهمّنا هو تبيان الحقيقة والمُحاكمة العادلة في ما خصّ مَوتانا"... وأَمّا التّحقيق الجنائيّ فلا يُريدون منه سوى جوابٍ واحدٍ: كم "قبض" حيتان الأَمونيوم، كي يقبِضُوا على أَرواح الضّحايا الأَبرياء، فتُزهَق بهذا السّعر المُتدنّي مهما بلغ.

القضاء غير مُسيّس؟

لقد حاول بعض القُضاة، بالمُمارسة المهنيّة أو بالتّصريح، بثّ بعض الأمل في القلوب المفجوعة... ففي 31 آب (أغسطس) الماضي، وفي موعدٍ مُفاجئٍ... نظّم أَهالي شُهداء المرفإِ وقفةً احتجاجيّةً أَمام منزل المُدّعي العامّ التّمييزيّ القاضي غسّان عويدات، ولكنّ الفارق أَنّ عويدات خرج إِلى باحة المبنى لمُقابلة الأُمّهات، والردّ على أَسئلتهنّ، وإِعلامهنّ أَنّه مُتَنحٍّ عن قضيّة المرفإِ... وقال: "أَنا راضٍ عن مسار ملفّ التّحقيق... والقضاء في لُبنان غير مُسيّسٍ، وحتّى ولو حصل أَيّ تدخُّلٍ سياسيٍّ، فالقاضي يعمل بحسب ضميره".

وتزامُنًا فقد افتتح المُحقّق العدليّ في قضيّة مرفإ بيروت القاضي ​طارق البيطار​، مرحلةً جديدةً مِن التّوقيفات في انفجار المرفإِ، فهل ستُطاول هذه المرّة المزيد مِن "حيتان المال والإِهمال"؟... والمعروف عن البيطار أَنّه جريءٌ، و"ليس لديه أَيّ تحيُّزٍ أَو انتماءٍ سياسيّ"، ما يُشعل بارقة أَملٍ لدى ذوي ضحايا انفجار مرفإ بيروت في الوصول إِلى الحقيقة الكاملة في ملفّ أَبنائهم...

كما ويُحاول بعض العارفين طمأَنة ذوي الضّحايا، وبينهُم المُدير العامّ للأَمن العامّ اللواء عبّاس ابراهيم الّذي جزم في حديثٍ خصّ به "مجلّة الأَمن العامّ"، في عددها الصّادر في 3 أيلول الجاري: "نعم سنصل إِلى الحقيقة في انفجار المرفإِ فالانفجار خسارةٌ وطنيّةٌ ليس لها علاقةٌ بمُؤسّسةٍ، ولا بأَفرادٍ"...

ردّ عوائل الشّهداء

وقد يكون صيت القاضي بيطار، المُترفّع بنظر النّاس عن "أَيّ تحيُّزٍ أَو انتماءٍ سياسيّ"، شكّل بطاقة عُبورٍ إِلى الرّجاء، لدى عوائل ضحايا انفجار المرفإِ. وقدأَكّدت باسم هؤُلاء السيّدة ماريان فاضو ليان خلال "الوقفة الشّهرية" في 4 أيلول الجاري أمام البوّابة رقم 3 في مرفإ بيروت، وتحت شعار "لا حصانات فوق دماء شهدائِنا استِحوا"، أَنّ "مِن واجب المسؤُولين، حماية ​لبنان​ وشعبه"... وتابعت: "يكفي سكوتًا وذلًّا واستخفافًا، فقضيّتنا أَساسيّةٌ ووطنيّةٌ وكفيلةٌ بالتّغيير الحقيقيّ. تكفي مُماطلةً وتضييعًا للوقت بسبب عدم التخلّي عن حصاناتكم وعدم مُثولكم أَمام المُحقّق العدليّ. حصاناتكم ليست أَغلى مِن دم ضحايانا وشُهدائنا".

وأَضافت: "وأَمّا بالنّسبة إِلى المجلس الأَعلى لمُحاكمة الرُّؤساء والوزراء، فهو كذبةٌ كبيرةٌ وتغييب لضحايانا وتهميش لقضيّتنا، لأَنّ ما حصل في 4 آب جريمةٌ موصوفةٌ وليست خطأً أَو إِهمالًا وظيفيًّا. لن نقول إِنّهُم لم يعتذروا منّا أَو يقوموا بواجب تعزيتنا، بل أَصبحنا نبحث عن إِنقاذ أُولئك الجرحى الّذين ما زالوا يتعالجون في المُستشفيات بين الحياة والموت، ولا مَن يسأل عنهم، مِن وزارة صحّةٍ إِلى ضمانٍ، أَمثال لارا الّتي أُصيبت في فراشها، وهي في غيبوبةٍ مُنذ سنة وشهر ولا مَن يهتمّ. وأَمّا حال المُعوّقين جرّاء الانفجار فهو مأساويٌّ، وعدم تحمُّل وزارة الشّؤون الاجتماعيّة دورها الأَساسيّ". وختمت: "أَطلب مِن الشّعب اللُبنانيّ نصرتنا والتّضامُن معنا، على غرار ما كان في الذّكرى السّنويّة كي يصل صوتنا إِلى العالم، كَوْن لمسؤوليّنا آذانًا لا تُسمع".

وتحدّث بعدها ابراهيم حطيط باسم المُعتصمين، فأَكّد من جهته "رفض عوائل الشُّهداء أَيّ تعرُّضٍ لهُم جسديا ومعنويًّا مِن القوى الأَمنيّة"، مُشدّدًا على أَنّهُم "ليْسُوا ضدّ أَحدٍ في شكلٍ شخصيٍّ ولا مُشكلة لهُم مع أَحدٍ، بل إِنّ مُشكلتهم الوحيدة هي مع كُلّ مَن يستدعيه القضاء للتّحقيق معه في قضيّة مقتل أَبنائهم"، مُعلنًا أَنّ "أَهالي الضّحايا سيستمرُّون في تصعيدهم وستكون لهُم خطواتٌ وتحرُّكاتٌ مُفاجئةٌ". ودعا إِلى "عدم أَخذ أُسَر الضّحايا إِلى مكانٍ آخر لا يُريدونه"، مُشدّدًا على "إِبعاد قضيّة تفجير مرفإِ بيروت عن السّياسة والتّسييس".

ومع كُلّ قرارٍ قضائيٍّ جديدٍ يصدُر في "قضيّة انفجار مرفإِ بيروت"، تنام عوائل الشُّهداء على أَمل الحقيقة... لتصحُوَ على سرابٍ وضبابيّةٍ ومُشوارٍ أَين منه خُطوات الأَلف ميل...

واستندًا إِلى المُعطيات الوارد آنفًا، ثمّة سُؤَالٌ كبيرٌ يُطرح: كيف السّبيل للوصول إِلى الحقيقة في قضيّة المرفإِ فيما عددٌ كبيرٌ مِن مُمثّلي الشّعب في مجلس النُوّاب يقف حجر عثرةٍ أَمام رفع الحصانات عن مُتّهَمين بالجريمة، مِن باب الفساد أو التّقصير؟...

فسادٌ مُستشرٍ...

وفي المُقابل، فإِنّ للفساد في بيروت، كما ولضُروبه وابتكاراته... حصّةً في كُلّ نكبةٍ تُلمُّ بلُبنان... إِنّه صراع الخير والشرّ المُحتَدم على الأَرض اللُبنانيّة وفي كُلّ أَرجائها. وفي هذا السّياق أَعلن رئيس "الحزب التقدُّميّ الاشتراكيّ وليد جنبلاط في 31 آب 2021: "جاء الكثير مِن الأَموال والمُساعدات بعد انفجار المرفإِ، ولكنّ السُؤَال الكبير يبقى: كيف يتمُّ توزيعها أَو تخصيصها؟"... ومِن ثمّ استنتج: "بسبب الاحتيال... ضاع الكثير مِن أَموال الإِغاثة الإِنسانيّة"!.

غسّان حاصباني

​​​​​​​ورأى نائب رئيس الحُكومة السّابق غسّان حاصباني أَنّ انفجار المرفإِ كان حقًّا، كارثةً إِنسانيّةً على مُستوى البشريّة جمعاء، وقد أَضاف إِلى الصعوبات الكثيرة الّتي يُعاني منها اللُبنانيّون، صعوباتٍ جديدةً... وأَدّى إِلى وفياتٍ وإِصاباتٍ ودمارٍ قد سُجّل في شكلٍ خاصٍّ في مناطق المرفإِ ومار مخايل والجمّيزة... وأَضاف حاصباني في حديثٍ ضمن هذا المقال عن انفجار مرفإ بيروت، وفي إطار "جائزة بيروت للإِنسانية"، أَنّه عاين ميدانيًّا حجم الدّمار والخسائر في الأَرواح والمُمتلكات، بحكم عمله في "جمعيّة القديس بورفيليوس"، الّتي كلّفه متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأُرثوذكس المطران الياس عوده الإِشراف على عملها. وفي هذا الإِطار قال حاصباني إِنّ الجمعية "كانت أُنشئت في العام 2002، وكان حينذاك هدفها الاهتمام بمُساعدة الطلّاب غير القادرين على تأمين مُتطلبات الدّراسة، وكذلك العجرة والمرضى. وبعد انفجار 4 آب 2020، تحوّل اهتمام الجمعيّة إِلى ترميم المنازل والكنائس و​المدارس​ الّتي دمرها الانفجار، فساهمت في ترميم 150 وحدة سكنيّة وقدّمت المُساعدة إِلى 150 مُتعلّمًا ومُتعلّمة لإِيفاء أَقساطهم المدرسيّة، إِضافةً إِلى ترميم خمس مدارس كانت مدرستا (البشارة الأُرثوذكسية) و(الثّلاثة الأَقمار) الأَكثر تدميرًا بينها، وكذلك رمّمت الجمعيّة مأويَيْن للعجزة أَحدهما مأوى القدّيس جاورجيوس بالقُرب من (مُستشفى الرّوم)". وأَشار إِلى أَن "حتّى الأَنظمة الإِلكترونيّة للمدارس كانت قد أُتلفت في الافجار فتم إِصلاحها، كما وتمّ ترميم المبنى القديم لمطرانيّة بيروت.

وأَوضح حاصباني أَلّا "فرق بَيْن الدَّوْرَيْن الإِنسانيّ والسّياسيّ في هذا المجال، فالسّياسة وجدت لخدمة الإِنسان وجعله يتفاعل مع مُجتمعه... كما وأَنّ في الشقّ الإِنساني يأتي تنشيط الجمعيّات"... وفي هذا الإِطار نصح حاصباني الجهات المانحة بحُسن اختيار الجمعيّة الّتي تنوي تقديم مُساعدةٍ إِليها، مع التّأكيد أَنّ "غالبيّة الجمعيّات قد قامت بدورٍ كبير بعد انفجار المرفإ".

إِشارةً إِلى أَنّ حاصباني يُشرف أَيضًا على مركز cedars institute"" وهو مركز دراسات لتطوير القوانين وشؤون الدّولة... وختم مُؤَكّدًا أَنّ "اللُبنانيّين جديون في قرارهم الاستمرار في الحياة، والإِدارة والتّعاون".

إشارةً إِلى أَن المطران عودة كان طالب​ خلال إِحياء الذّكرى الأُولى لانفجار المرفإِ في "مدرسة الثّلاثة الأَقمار" في بيروت، بـ "كشف الحقيقة ومُعاقبة المُجرمين كائنًا مَن كانوا فلا أَحد فوق القانون ولا إِنسان ممنوعٌ مِن المُحاسبة"، مُؤَكّدًا أَنّ "مَن كان شريكًا في حصول هذا الانفجار، مهما كان دوره أَو مركزه، يجب أَن يُحاسب ويُعاقب ونكرر ما قلناه سابقًا أَلا حصانة ولا أَحد فوق العدالة، وأَن البريء لا يخشى أَي​تحقيقٍ، وأَنّ مَن يتهرّب مِن المُثول أَمام القاضي​طارق البيطار​يجني بنفسه على نفسه"... ورأى أَنّ "التهرُّب مِن المسؤوليّة عيبٌ، وتقاذُف الاتّهامات تعميةٌ على الحقيقة، فكُلّ المسؤولين مسؤولون عمّا وصلنا إِليه، لأَن المسؤوليّة غير انتقائيّة. ومَن شاء أَن يكون في مركزٍ قياديٍّ، عليه أَن يتحمّل مسؤوليّته كاملةً وإِلّا فليترُك مركزه ويُغادر"...

الشُّهداء الأَحياء

ولقد اندمج انفجار المرفإ بكُرة الثّلج الّتي استمرّ انهيارها... وصولًا إِلى ازدياد عدد "الشُّهداء الأَحياء" مِن عُموم اللُبنانيّين وعلى اختلاف مشاربهم... إِذ كشفت "الإِسكوا" في 3 أَيلول 2021، أَنّ 82 في المئة مِن السُكّان اللُبنانيّين يعيشون في فقرٍ مُتعدّد الأَبعاد، كما ويُطاول الفقر 74 في المئة مِن سُكّان لُبنان إِلى الآن... وقد باتت مقولة: "مَن لم يمُت بعلّةٍ مات بغيرها"، تنطبق على اللُبنانيّين... فمن نجا مِن انفجار المرفإ، بات في نفق المَوْت البطيءِ غير الرّحيم... المَوْت جوعًا!. وهو وجهٌ آخر مِن وجوه المَوت في لُبنان... وهؤلاء الضحايا نجدُهُم في كُلّ المُحافظات. ومَن لم يمُتْ في لُبنان بالانفجار... مات بغيره!.

الشّيخ زياد حبلص

وأَكّد الشيخ زياد حبلص، أَنّ "الحرمان في لُبنان، إِنّما هو بسبب فساد السّياسيّين. والمسألة نتيجة تراكُماتٍ لسنواتٍ طويلةٍ...". وأَضاف في حديثٍ ضمن هذا المقال عن انفجار المرفإِ، أَنّ "الانفجار قد زاد الحرمان حرمانًا، ومَن كانت أَحواله ميسورةً، فقد ساءَت. فيما تتقاعس الدّولة عن تقديم المُساعدات". وسأل حبلص: "لماذا السُّكوت عن المسؤولين عن إِدخال الأَمونيوم إِلى لبنان؟" شاكيًا مِن "خيبة أَملٍ كبيرةٍ بعد انفجار المرفإِ". واستطرد أَنّ "المحرومين في ​طرابلس​ عاصمة شمال لبنان، قد ازدادوا، فالحرمان هذا يضرب كُلّ لُبنان... فنجد الفقر في باب التبّانة... وجبل محسن... وعكّار... وفي كُلّ لُبنان". وأَكّد الشّيخ حبلص: "ثمّة مَن يطلُب منّي أَنْ أُؤَمّن له كيلو بطاطا. وللأَسف فإِن (حيتان المال) قد تركوا زعرانهم على محطّات الوقود، كي يستفيدوا مِن بيع البنزين والمازوت في السُّوق السّوداء. إِنّهم (شبّيحة) السّياسيّين النّافذين، وقد تغاضى عنهم السّياسيّون كي يُوَفّروا عن أَنفسهم طلبات (الشبيّحة) فيحصلون على المال غير النّظيف مِن جُيوب الفُقراء. ولسان حال البلطجيّين: نفسي فقط"... وختم: "العزّة المُزيّفة لا تدوم... وأَمّا الدّفاع عن الزّعامات ففيه ظلمٌ للنّاس في الحياة كما وفي الآخرة!".

الدّكتورة ناهد روّاس

وسأَلت رئيسة "لجنة المرأة" في "مركز لُبنان للعمل التطوّعيّ" الدّكتورة في علم الاجتماع ناهد روّاس: "كيف يُعقَل في مفهوم الدّولة، تخزين نيترات أَمونيوم بَيْن النّاس؟ وكيف يُسمَح لكارتيلات النّفط والغذاء أن تنموَ، فيما الشّعب عاجزٌ عن تأمين أَدنى مُقوِّمات الحياة؟". ولكنّ روّاس "قسمت المسؤوليّة في شأن تردّي الأَوضاع في لُبنان مناصفةً بين المسؤُولين والشّعب (50 % / 50 %). بيد أَنّ خطأ الدّولة هو في عدم بسط سلطتها وهيبتها، إِذ إِنّها تُصدر قرارًا كمثل قرارات قوانين السّير في لبنان، الصّادرة لفترةٍ وجيزةٍ، وبعدها تتوقّف مُلاحقة المُخالفين... فتسقط هيبة الدّولة". وحذّرت مِن "القلق الّذي هو أَكبر مِن الخوف وأَخطر"... وأَكّدت في المُحصّلة أَنّ انفجار 4 آب على ضخامته – يبقى أَهون مِن المَوْت البطيء... كُلّ يومٍ، فنحن لم نخرُج مِن الصّدمة بعد. وقد ترك انفجار المرفإِ آثاره السيّئة على العائلة وبين أَفرادها"... وهُنا طرحت سلسلة أسئلةٍ ذات صلةٍ بما بعد الانفجار ومنها: مَن تأثّر في الانفجار أَكثر: الوالد أَو الوالدة أَو الأَبناء؟ عند مَن تهجَّرَت العوائل الّتي ما عاد سقف بيتها يحميها؟ هل مَن قصدهم المُهجّرون مِن الأَقارب هُم مُقتدِرون؟ ويستطيعون إِيواءَهُم؟ وخلصت الدّكتورة روّاس إِلى التّأكيد: "لا بصيص أَملٍ... نترقَّبُ الأَسوأ... ثلثُ راتبنا للبنزين... لا أَمان اجتماعيًّا ووظيفيًّا... راتبي كأُستاذةٍ جامعيّةٍ في حُدود الـ 4،500،000 ليرة لُبنانيّة، وفاتورة مولّد الكهرباء في منزلي 3،600،000 ليرة!... إِنّه انتحارٌ جماعيٌّ!".

هي كلماتٌ جسّدت بمرارةٍ الواقع في لُبنان، بعد 4 آب 2020.