تسعى أوساط دينية يهودية معتدلة في إسرائيل إلى تشكيل تيار ديني جديد يعمل على تغيير الانطباع السائد عن المتدينين، بأنهم "صهيونيون متطرفون" و"معادون للعرب". ويقف أصحاب هذا التيار في صف قوى السلام التي ترفض الاحتلال، وتعده استعباداً للشعب الفلسطيني.

وقال أحد المبادرين لقيادة هذا التيار، ميخائل منكين، وهو كاتب ويدير جمعية تعرف باسم "الشراكة في بناء مستقبل إسرائيل"، إنه تزداد في السنوات الأخيرة حدة فهم أن الاحتلال ليس مؤقتاً، بل هو استعباد مستمر منذ أكثر مِن نصف قرن دون أن تظهر نهايته في الأفق. وبمقدار مدة استمرار الاحتلال تزداد قدرته على المس بحرية ملايين الأشخاص، وبحل وتفكيك الهوية الجماعية لشعب بأكمله. وبقدر ترسخ وتوطيد الاحتلال يُصبح مميزاً جوهرياً لدولة إسرائيل، وكل مقاومة له يتم اعتبارها مقاومة لقيام وجود الدولة. وكل ذِكر للألم الفلسطيني يتم اعتباره خيانة. ولذلك ترى متدينين يهوداً يدعمون ويبررون الاحتلال. وتابع ميخائل منكين، أن ممثلي الصهيونية الدينية، هم قوة قائدة اليوم في الجيش، تضفي الشرعية الأخلاقية والدينية على كل عمل مِن أفعال جيش الدفاع الإسرائيلي وفي الاستيطان. ويعتقدون بأن الحرية في دولة إسرائيل، والأمن الشخصي لعموم سكانها، ليس بالإمكان تحقيقهما بدون مِقدار مُعين مِن السيطرة على الفلسطينيين. وبسبب هذا المنطق تعتقد غالبية الإسرائيليين أن حريتهم مرتبطة باستعباد الآخرين، وأنه بدون الاستعباد ليس بإمكانهم أن يكونوا أحراراً. "وأن إرادة الفلسطينيين بإقامة دولة لهم تُلزمنا بأن نستعبدهم، وأن حرية الفلسطينيين تشكل خطراً علينا، ولذا نحن مضطرون لاستعبادهم إلى أبد الآبدين. وهذا خطأ فاحش ومساس بالقيم اليهودية الحقيقية".

وقد صاغ منكين موقفه هذا في كتاب بعنوان "بدأت"، يسند فيه آراءه بآيات من التوراة وفتاوى من كبار رجال الدين اليهود عبر التاريخ. ويقول إنه "لا يتجاهل وجود علماء دين يفكرون بالطريقة السائدة حالياً لتبرير الاحتلال والاستعباد، لكنه يرى أن هناك كنوزاً في الديانة اليهودية تنقض هذا الفكر وتدعو إلى قيم أخرى أقرب إلى الله سبحانه وتعالى". وعليه فإنه يدعو إلى تعميم المفاهيم الصحيحة لهذه الديانة حتى تنشأ قوة دينية وفكرية إنسانية تساعد على وضع حد لهذا الصراع الدامي، وتوفر حياة كريمة وإنسانية للجميع.