في سابقة خطيرة والاولى من نوعها، رفعت وكالة "الاونروا" في لبنان دعوى ضد "مجهول" في مخيم "نهر البارد"شمال لبنان، بتهمة التعدّي على مكاتبها وآليّاتها خلال حركة احتجاج شعبي قام بها اهالي منطقة "البركسات" ضد مكتب مدير الإعمار جون وايت"الديزان" (السبت في 18 ايلول الماضي) للمطالبة بعدم إجبارهم على الاخلاء قبل تأمين البديل او عودتهم الى منازلهم.

اللافت في الموضوع، ان مخفر "حلبا" اتصّل هاتفيا بعدد من ابناء المخيم المتّهمين بالمشاركة في الاحتجاج وغالبيتهم من النساء، واستدعاهم للمثول اليوم (الاثنين)للاستماع اليهم في الدعوى المرفوعة بالتعدي والتكسير وحتى السرقة، وهو ما اثار حفيظة القوى السّياسية الفلسطينيّة واللجان الشعبية وابناء المخيّمات الذين اعتبروها سابقة خطيرة يتوجّب عدم السكوت عنها.

ووفق معلومات "النشرة"، فان عدد الذين تمّ استدعاؤهم يبلغ نحو 22 شخصا من اصل 50 عائلة تقطن في "البركسات"، الذي يصفه اللاجئون بانه غير صالح للسكن والخدماتفيه شبه معدومة، المياه مالحة غير صالحة للاستخدام، والبيوت ملاصقة لبعضها البعض لا ترى النور ولا حتى الكهرباء، فيما شبكات الصرف الصحي معطّلة ومكشوفة، والأخطر انهم يتعرضون لخطرالكلاب "الشاردة" بعدما ترك أهالي "البركسات"منازلهم بلا أبواب أو نوافذ.

ويؤكد أمين سر "اللجان الشعبية الفلسطينية" في لبنان المهندس عبد المنعم عوض لـ"النشرة"، ان القيادة السياسية واللجان الشعبية في لبنان ومنطقة الشمال تدخلت لمعالجة القضية التي تعتبرها سابقة خطيرة ولا يمكن السكوت عنها"، مضيفا "لقد جرت الاتصالات اللازمة والعاجلة بوكالة "الاونروا" رغم العطلة ووعدت بسحب الدعوى،سيما وان لقاءًعقد مع مسؤولي "الاونروا"، واستنكرنا التعدي على مكاتبها واكّدنا حرصنابالحفاظ عليها وعلى موظفيها وعلى سلميّة التحركات معا، واصدرنا بيانا واضحا بهذا الخصوص كحلّ، تماما كما يجري في قضايا أخرى".

ووفق المعلومات، فان الاتصالات أدّت الىتوافق ضمنييقوم على "تسوية" القضيّة، عبر مثول الّذين تم استدعاؤهم الى مخفر "نهر البارد" وليس الى حلبا، والتوقيع على "تعهّد" بعدم التعرّض لمكاتب وأملاك "الاونروا" مجددا، على ان يكون حقّ الاحتجاج والتحرّكات السلميّة مصانا دون أدنى شك".

ويؤكّد المسؤول في الحراك الفلسطيني في نهر البارد محمد أبو قاسم لـ"النشرة"أنّ الهدف من هذه الدعوى كسر شوكتنا، ولكنهم لن ينجحوا، وسنواصل تحركاتنا السلميّة للمطالبة بحقوقنا كاملة، مشيرا الى التحركات جاءت نتيجة التقصير والاهمال والتسويف وبدء اجبار السكان على المغادرة دون تأمين بديل مقبول"، قائلا "إنّ أصحاب "البركسات" ليسوا ضد المغادرة ولكن بكرامتهم، و"الاونروا" تتحجّج بمسألة أن أنّها غير صالحة للسكن،والواقع هو أنّها بإخلائها لها توفّر على نفسها دفع 25000$ سنويًّا بدل إيجار للأرض، إضافةً إلى توفير ثمن الكهرباء والاشتراكات والتصليحات وغيرها من الأمور التي يحتاجها أصحاب "البركسات".

وتسود الاوساط الشعبية الفلسطينية في نهر البارد تحديدا وباقي مخيّمات لبنان حالة من "الغضب الشديد" للجوء "الاونروا" الى هذا الخيار، وسط إجماع على ان السبب هو الاهمال والتقصير، ويقول حقوقيّون فلسطينيون أنّ الاتجاه يميل من اليوم وصاعدا الى مقاضاة "الاونروا" عند أيّ تقصير يلحق الضرر بأيّ من اللاجئين، او يؤدّي الى وفاة بسبب تقليص الخدمات وخاصة الصحّية، وقد حصل ذلك اكثر من مرة سابقا، مشدّدين أن التهديد والوعيد لن يجدي في دفع ابناء المخيمات الى القبول بالامر الواقع والتذرّع دوما بالعجز المالي في تراجع التقديمات".

بالمقابل، وصفت "الاونروا" حينها ما جرى بأنّه "اعتداء" من قبل عددٍ من المحتجين المقرّبين من بعض العائلات النازحة من نهر البارد، والتي مازالت تسكن في المساكن الموقّتة (البركسات) الى الهجوم على مكتب الوكالة المذكورة، لإعادة إعمار المخيم، وقاموا بتكسير محتوياته وإلحاق ضرر كبير فيه، كما قاموا بإشعال الاطارات أمام مدخل مكتبها في المخيم، وألحقوا أضراراً بسيارات تابعة لها ولم يتم تسجيل أي اصابات نتيجة هذا الإعتداء"، مشيرة إلى أنها "على تواصل منذ أشهر مع عائلات النازحين من مخيم نهر البارد، التي مازالت تسكن في المساكن الموقّتة، وقد طلبت منها الإخلاء وعرضت عليها بدل إيجار، ريثما يتم الإنتهاء من إعادة بناء بيوتها داخل المخيم"، مشددةعلى أهمّيةإزالة المساكن الموقتة بسرعة لأنها تشكل خطراً، كما أنها غير صالحة للعيش الكريم. وبينما تواصل الأونروا اتصالاتها بالعائلات النازحة، وخلافاً للمعلومات غير الصحيحة التي تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما زالت تؤمن الكهرباء والمياه للمساكن بنفس عدد الساعات التي يحصل عليها كل السكان الآخرين في مخيم نهر البارد".

وقد أنشأت وكالة "الأونروا" البركسات كبيوت مؤقتة الى حين عودة أهالي مخيم نهر البارد الى منازلهم التي دمرت صيف عام 2007 بعد حرب دامية دارت رحاها بين عناصر تنظيم فتح الإسلام الارهابي والجيش اللبناني، ولمدة ثلاث سنوات فقط، لكن التأخر في عجلة الإعمار حال دون ذلك، وما زال اللاجئون الفلسطينيون فيها منذ 14 عاما، على ان ينتهي العقد في العام 2023، ولكن المتعهد بدأ المطالبة بالاخلاء وهناك أزمة إيجار بيوت في المخيم، ومن غيرالممكن تأمين خمسين منزلاً لخمسين عائلة في وقتٍ واحد، بينما الوكالة تعتبر بعض العائلات غير شرعية (التي لا تمتلك بيتاً في المخيم القديم من نهر البارد) في حين نحن كحراك نرى أنّ هذه الفئة من شعبنا لا يمكن رميها بالطريق وإذلالها وإخراجها بدون مقابل".