قبل أشهر قليلة من موعد ​الإنتخابات النيابية​ المقبلة، من الضروري رصد الخطابات السياسية لدى مختلف الأفرقاء الفاعلين، لا سيما أن البلاد تمر بأصعب مرحلة سياسية وإقتصادية وإجتماعية ومالية، لكن من حيث المبدأ يبدو أن النقاشات في مكان بينما هموم المواطنين في مكان آخر مختلف كلياً.

قد تكون البداية الأفضل من ​مجلس الوزراء​، نظراً إلى الأمال الكبيرة التي عُلّقت على ​الحكومة​ الحالية، من جانب الأفرقاء المشاركين فيها، حيث كان هناك من يريد اقناع المواطنين أن مجرد تشكيلها يعني الإنتقال إلى مرحلة جديدة في البلاد، بينما في الواقع الحكومة باتت عاجزة عن الإجتماع، بسبب الخلاف القائم حول أداء ​المحقق العدلي​ في إنفجار ​مرفأ بيروت​، وبالتالي عاجزة عن أخذ أي قرار رغم التدهور المستمر في الأوضاع.

في ​مجلس النواب​، وجدت ​الكتل النيابية​ أن الوقت اليوم هو الأفضل لمناقشة القانون الإنتخابي، ليس من أجل البحث عن القانون الأحسن الذي يضمن صحة التمثيل ويرفع من نسب الإقتراع، بل لمناقشة التاريخ الأمثل لهذا الإستحقاق، بين شهري آذار وأيّار المقبلين، وكأنّ هذه المعضلة من الممكن أن تبدّل من الواقع شيئاً، لا سيما أنّ الفارق بين الموعدين أقلّ من شهرين، ما يعني أنّ المسألة لا تستحق كل هذه الضجة.

معظم القوى السياسية لا ترى أمامها إلا الإستحقاق الإنتخابي، الأمر الذي يتطلب منها رفع سقف مواقفها السّياسية والطائفيّة، نظراً إلى أنها لا تملك أيّ مشروع جدّي تطرحه أمام الناخبين، حول كيفيّة إخراج ​اللبنانيين​ من الدوّامة الّتي أدخلوا البلاد فيها، حتى ولو كان الثمن استمرار الإنهيار وسقوط المزيد من الضحايا والجرحى في إشتباكات أمنيّة لا فائدة منها، خصوصاً أنها كانت تطمح إلى تأجيل هذا الإستحقاق.

منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، قررت تلك القوى، بالتكافل والتضامن، إدخال البلاد في مرحلة الإنتظار، على أمل أن تتضح الصورة بناء على تطورات تحصل في الخارج، لكنها اليوم تصطدم بالواقع الصعب الذي يتطلّب منها المبادرة نحو الذهاب إلى خطوات عمليّة في أسرع وقت، بينما هي عاجزة عن هذا الأمر لأنّها إعتادت الإستزلام وأن يأتي القرار بما يجب القيام به من الخارج، مقابل حصولها على حصتها.

في الجانب الآخر، هموم المواطنين تبدأ من سعر صرف الدولار في السوق السوداء، الذي ينعكس على مختلف السلع والخدمات، ولا تنتهي عند أسعار المحروقات، التي تخطّت الحدّ الذي من الممكن معه الإستمرار في العيش في هذه البلاد، نظراً إلى أنّ كلفة النقل باتت تتجاوز رواتب غالبيّة الموظّفين.

هذه الهموم تشمل أيضاً الإنهيار الحاصل في القطاعين التربوي والصحّي، حيث ليس هناك من هو مهتم بمصيرهما، كونه لا ينظر إليهما إلا على أساس أنهما كأرقام في بورصة الإنتخاب، من دون تجاهل أزمة الكهرباء، خصوصاً في ظلّ المعلومات عن أن تسعيرة المولّدات الخاصة ستتجاوز، في نهاية الشهر الحالي، 6000 ليرة مقابل الكيلو واط الواحد.

في المحصلة، الخطابات السياسية اليومية، في المرحلة الراهنة، تؤكّد أنّ معظم القوى السياسية تعيش في كوكب آخر، لا تدرك فعلياً حقيقة ما يجري على أرض الواقع من مآسٍ وأزمات، ربما لقناعتها بأنها من خلال المزايدات السياسية والطائفية قادرة على ضمان إعادة تجديد الثقة بها من جديد.