صحيح أن الحكومة تعمل على قدم وساق وتضع في مقدمة اولوياتها التخفيف من وطأة الأزمة المعيشية والاقتصادية، وهي تتجه لتكثيف الاجتماعات الوزارية لتحقيق هدفها، غير أن الرياح تجري إلى الآن على غير ما تشتهي السفن الحكومية، لا بل إن المعطيات الموجودة تؤكد بما لا يدعو إلى اي شك ان الوضع المأزوم على المستويين الاقتصادي والاجتماعي ذاهب في اتجاه تصاعدي مخيف، وهو قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي لطالما حاول الأفرقاء تجنبه، كون ان وصول البلاد إلى هذه المرحلة يعني انهيار الهيكل على رؤوس الجميع.

ولا يختلف اثنان على حقيقة أن الأزمة الاقتصادية الموجودة ناشئة في الدرجة الأولى عن عدم الاستقرار السياسي الذي من خلاله يتم ضمان الانتظام العام في المؤسسات، وفي حال شاب هذا الاستقرار شائبة ما، فإن ارتدادات ذلك تنعكس بشكل سلبي على كل مفاصل المؤسسات التي تحكمها ساعتئذ حالة من الانحلال والفوضى التي لطالما يدفع ثمنها الوطن والمواطن.

من هنا، فإن الضربة التي تلقاها القطاع الاقتصادي والمالي على الرأس بأيدي أهل السياسة لا تزال موجعة، وأن قوتها أوقعت هذين القطاعين بما هو أشبه بالموت السريري، وجعل غالبية الجرعات الدوائية التي وضعتها غالبية الحكومات المتعاقبة منذ سنوات إلى الآن غير مجدية، حيث يتم التعامل مع هذه الأزمات على شاكلة الطبيب الذي يحاول معالجة مريض السرطان عن طريق جرعات من «البنادول».

ويذهب بعض المحللين للواقع اللبناني الراهن إلى الجزم بأنه طالما «الفيروس» السياسي متفشٍ في غالبية مفاصل الدولة ويحكم سلوكيات العاملين في القطاع العام، فإن الأزمة المالية والاقتصادية إلى تفاقم ولن تجدي الحلول التي طالما اعتدنا بأن تبقى ورقية ولا ينفذ منها إلا ما ندر.

خطة الحكومة زيادة بدل النقل وسلفة على الراتب في القطاعين العام والخاص

وفي رأي هؤلاء بأن كل المعالجات التي يتم تداولها في الاجتماعات الحكومية لا تزال قاصرة ولم تصل بعد إلى مرحلة يمكن معها القول بأنها من الممكن أن توقف النزف الحاصل على كل المستويات، حتى أن طلب «الترياق من العراق» والذي ربما جاء متأخراً بعدما استفحلت الأمور إلى ابعد الحدود لن يكون وحده قادراً على معالجة الأزمة التي يتخبط بها لبنان، مع التأكيد هنا على أن المسؤولين العراقيين على أرفع مستوياتهم يبدون رغبة قوية في تقديم يد العون إلى لبنان بالرغم من الظروف الاقليمية والدولية المحيطة بهذه المساعدات التي مهما كان حجمها تبقى خجولة أمام عمق الأزمة الموجودة حالياً. وفي هذا السياق يؤكد المتابعون لليوميات السياسية بأنه بات من الملح عودة الحكومة إلى الاجتماعات لكي لا تتحول إلى مجرد حكومة تصريف اعمال كون ان الملفات المفتوحة التي بدأت حكومة الرئيس ميقاتي بمقاربتها بجدية ووضع خارطة طريق للمعالجات وإن بالحد الأدنى تتطلب اجتماعات مكثفة لمجلس الوزراء، ومن هنا فإن الاتصالات تنشط لكي تدب الروح من جديد بهذه الحكومة ويعود مجلس الوزراء إلى الانعقاد في الاسبوع المقبل، لأن استمرار تعطيل عمل الحكومة ستكون عواقبه وخيمة، ولا سيما أن المجتمع الدولي ما زال مصراً على عدم تقديم اي مساعدات قبل الولوج في العملية الاصلاحية والتي باعتقادهم هي المدخل الحقيقي لمعالجة الأزمات المتشعبة في لبنان.

ويعتقد هؤلاء ان عدم اجراء الانتخابات في موعدها سيكون بمثابة الضربة الموجعة على الرأس، إذ إن المجتمع الدولي يولي هذه العملية اهتماماً بالغاً كونه يعلق أهمية على ما ستفرزه صناديق الاقتراع أملاً بإحداث تغييرات ما على مستوى الطبقة السياسية القائمة حالياً، وقد ابلغت بعض الدول الأوروبية المعنية بأمر المساعدات للبنان بأن لا مساعدات ستقدم ما لم تُجرَ الانتخابات النيابية بمواعيدها الدستورية وبشكل شفاف ونزيه.

هل تقف الحكومة مكتوفة الأيدي بانتظار المساعدات الدولية؟ تقول مصادر سياسية بأن الحكومة ماضية في وضع البرامج والمشاريع الانقاذية على الرغم من قصر اليد وهي لن تتوانى عن فعل اي شيء لفرملة التهاوي الحاصل على المستويين المعيشي والاقتصادي، وأن الأيام القليلة المقبلة ستكشف عن قرارات هي قيد الاعداد لمعالجة ولو جزء من الأزمة وابرزها ما اتفق عليه في الاجتماع الاخير الذي عقده الرئيس ميقاتي مع وزير العمل والوزير السابق محمد شقير ورئيس الاتحاد العمالي العام، حيث تم التداول وفق المعلومات بإمكانية رفع بدل النقل في القطاعين العام والخاص على أن يُعطى العاملون في القطاع الخاص أيضاً سلفة تقارب المليون وثلاثمائة ألف ليرة على المعاش، وأن يُعطى العاملون في القطاع العام سلفة مقدارها نصف معاش أو معاش كامل، وأن هذه الصيغة أصبح التوافق عليها شبه حاصل بانتظار وضع الآلية القانونية لتنفيذ هذا الأمر، وهذا في حال تم تنفيذه فإنه يعالج جزءاً من المشكلة بانتظار الحل المتكامل.