لم يقتنع المطّلعون أن كلام وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي بشأن حرب اليمن هو السبب في رفع السقف السعودي ضد لبنان، خصوصاً ان حديث قرداحي جاء قبل أن يُصبح وزيراً في حكومة لبنان الحالية. علماً ان وزير الاعلام في النظام اللبناني ليس ناطقاً بإسم الدولة، ولا بإسم الحكومة. هو يكلّف فقط بتلاوة محاضر جلسات مجلس الوزراء، على إعتبار ان رئيس الحكومة هو المتحدث بإسمها، كما حال رئيس المجلس النيابي الناطق وحده بإسم البرلمان>.

جاء كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي معبّراً وواضحاً إزاء المملكة العربية السعودية منذ اللحظة الاولى لتوزيع كلام قرداحي. وهو بذلك يكون الناطق بإسم حكومة لبنان، وبالتالي البلد. لم يُخطئ ميقاتي لا في تشخيصه ولا في تصريحه، فجاءت بياناته تعبّر عن حرص حكومته ولبنان كلّه على علاقات أخوية مع السعودية. لكن، لم تكترث الرياض لما صدر من حكومة لبنان، وزادت ضغوطاتها التي وصلت الى حد ابلاغ سفير لبنان في السعودية مغادرة المملكة، وسحب سفيرها من لبنان.

لا يريد اللبنانيون أيّ تأزم مع الرياض، ولا مع غيرها من الدول الخليجية، لإعتبارات عدة عربية، واقتصادية، وتاريخية، ووجدانية، ودينية. اساساً، لا مصلحة للبنان بأيّ تأزيم في العلاقات مع أيّ دولة عربية وإقليمية. لا يُمكن لهذا البلد الاّ ان يكون داعية تسويات بين عواصم المنطقة، ما عدا اسرائيل التي هي عدو لبنان الوحيد، لا غير.

يذكر السعوديون والايرانيون جيداً ان قيادات سياسية لبنانية حاولت تسوية الخلافات في اليمن، منذ الأشهر الأولى لإندلاع الحرب هناك. سعى سياسيون لبنانيون لتسويق تسوية سياسية لم يُكتب لها النجاح بسبب طبيعة المرحلة والسقوف السياسية العالية التي رافقتها آنذاك، مما يعني ان لبنان حاول لعب دور المُصلح بين السعوديين والايرانيين، في اليمن.

بعد مضي سنوات حرب مضنية، لم يعد هناك من خيارات في الإقليم الاّ التسويات السياسية، وهي خيارات الدول والشعوب بعد كل حرب. خصوصاً ان الغرب يسلك طريق التفاوض مع إيران بشأن ملفها النووي، فيما بدأ الأميركيون سحب قواتهم من الإقليم تدريجيا للتفرّغ إلى مواجهات مفتوحة سياسيا واقتصاديا، ولاحقاً عسكرياً مع الصين. فهل تستطيع دول المنطقة الاستمرار في حروبها؟.

لا مصلحة لأيّ عاصمة اقليمية بإستمرار الحرب، نتيجة التكاليف الباهظة التي باتت عبئاً على الدول. تخطو السعودية في مشروعها التنموي ٢٠/٣٠ ويُتوقع ان ترفع فيه من شأن المملكة، مما يعني ان الاولوية عندها هي فرض صدارتها. الأمر نفسه كان تُرجم في الامارات العربية المتحدة التي باتت رقماً دولياً صعباً واساسياً في عالم النمو والاقتصاد والاستثمار. اما ايران فهي تملك مشروع تطوير لإنتاجاتها الصناعية النووية الضخمة. فأي مصلحة إقليمية بإستمرار النزاعات؟.

من هنا بدأ اشارات التفاوض عبر دور عراقي تتظهّر، لكن معوقات اليمن تقف في وجه النوايا التسووية، خصوصاً أنّ الحوثيين احاطوا بمأرب، مما يعني ان الضغوط الميدانية تتزايد في زمن تجهيز الملفات الاقليمية لوضعها دفعة واحدة على الطاولة.

لن يكون لبنان بعيداً عن تلك الطاولة، في وقت أعادت الدول الخليجية تواصلها المتبادل الضمني او العلني مع دمشق. فهل نشهد مزيداً من الضغوط قبل الجلوس حول الطاولة؟ ما يجري في لبنان قد يكون هو النموذج.