انتَ لا تكتب عن ​لبنان​، بل هو يكتُبك في سِفرِه.

وسِفر لبنان دهورٌ من حقيقة صاحبت الخيال فَبَرَعَت، وإنتشَت بالمعرفة فكَبُرَت، وإزدانت بالحكمة فإنفرَدَت. ومن هنا البداية: لبنان فريدٌ، وفرادته إستثناء. وفي الحالين، يبقى منبسطاً أمامك لكي تقرأه في روافد جوهره.

لبنان الجوهر

ما جوهر لبنان؟ في السؤال يكمن الجواب:

لبنان هو الجوهر الذي لا يخضع لإملاءات. وهو تالياً ليس عقيدة تتلَّبَسها زمناً لِتَرميها دهراً.

هو الجوهر الذي تأتي إليه بالحدس، فيأتيك برحابة الإيمان. وهو تالياً ليس شريعةً تتسَربَل بها نهاراً لِتَنزَعها ليالٍ.

هو الجوهر الذي يرفَعُك بالوعي إن أدرَكتَه، ليلتَهِبَ في عقلك. وهو تالياً ليس وِهادَ عُقمٍ تستجدي مدارك ثراء لتنضَحُها بالتأويل.

قلتُإنّه الجوهر، فأعلَم أنَّه هو الذي يحميك من العثرة، ويمنعك من السقوط ، ويقيمك في الحياة... لا العكس.

في الحقيقة، هو الذي يَهِبُكَ الوجود ويفصحُ لكَ عبارات سِرِّه.

في الدين، هو الذي يَهِبُكَ وديعته ويفصحُ لكَمدائحَ أصالته.

في الحرية، هو الذي يَهِبُكَ سلطانها، ويفصح لكَ تجليّاتِ وعيها.

آمِن حينها، أنَّ هذا اللبنان،لكَأن تكبُر فيه لأنَّكَ منه... وله، إن عَرَفتَإستثنائيّته.

لبنان الاستثنائي

أن يكون لك وطن إستثنائيّ، يعني أن تكون إستثنائيّاًأو لا تكون. ولكن ما الإستثناء؟.

هو أن تحيا المصلوبيّة، لا لشيء الّا لأنّك للحقّ قيامة.

هو أن ترفض الخضوع لأيّ سلطان لم ينبثق من جوهرِك ولا تآلَف مع ذاتيّتك.

هو أن تصنع بنياناً إنسانيّاً تصونه بمشيئتك، أنتَ ضمانته.

من عمق التاريخ حتى أقاصي المستقبل، كن تلك الريادة، تغدو هذا الإستثناء.

كن الحداثة، حين الظلاميّة سيادة.

كن النور، حين الليل ريادة.

كن التحرّر، حين الخضوع هوية.

عندها، تستحقُ موجبَأن تكونَ لبنانيّاً!.

بقي أن تثبتَ ذلك. كيف؟ لهذه الغاية قِمَمُها:

اولاً، تجاه نفسك، فتؤمِن بخصوصَّيتك ولا تذوبَ بمحيطات الآخرين، مهما تعاظَمَت. وأن تتجلَّى في قدرةِ النفاذِ الى عمق مصاعب العيش وانواع العطاءِ في كافة حقول الوجود، وأهمّها: البناء المتواصل والتجديد الدائم، فتَنتشِلَ من مهاوي الضياع والإنحلال مَن إستطابَ التصارع بدل التلاقي، والمخاصمة بدل التآخي.

وثانياً، تجاه وطنك، فتؤمن بخصوصيَّته التي تدفَعُكَ إلى إعتناقه والتكامل معه بصدقٍ. وتُصالِحَ إرث العنفوان الذي فيه مع مقاصد التعددّية التي أطلَقَها لعالمِ ما بعدَ بعدَ الحاضر.

وعندها، عندها فقط تكتمِلُ قدرتُكَ على الإعتراف: أجل! أنا لبنانيّ!.

لبنان الهويّة

أن تعتَرِفَ يعني أن تؤكِّدَ ما أنتَ به مؤمن، وما أنتَ به كائنٌ في آن.

من هنا، أن تعتَرِفَ بلبنانيِّتَكَ يعني أن تجعل الآخر، اي آخر، مقتنعاً بحقيقتك. وحقيقتك اللبنانيّة تقوم على أنَّكَ مُزدانٌ بحقوقإنسانيّة فاعلة. وأشدِّدُ على صفة الفاعليّة هذه، وهي عكسُ الإنطوائيّة والتقوقعيّة والإنعزاليّة. أيَ تماماً عكس الهروب من حقيقتك الى صوفيّات وهميّة، او نكرانها عبر عصبيّات متزمِّتة، او التخلّي عنها لصالح حقيقةمغايرة لكَ.

أن تكون لبنان، هذا هو المطلوب.

إن عَرِفتَهُ، إقتحِمهُ بصفاء لتَستَحِقّه بإفتخار... فتكون! وإعتصم به... فيبقى في رباط واحد مَعَكَ!.

أنتَ المنغَرِسُ فيه، إنتفِض لتحفَظَهُ: جوهراً وإستثناءً وهويةً!.

وضُمَّه إليكَ حتى هِدَايةِ المنتهى!.