يشعر الكاهن بمسؤولية كبيرة عندما يطلب منه أحد أن يذكره في صلاته، فهذا أمرٌ ملقىً على عاتقه ويحمل في طيّاته مسؤوليّةً ودينونةً على السواء. وقد ورد في الإنجيل المقدّس: "أمريض أحد بينكم فليَدْعُ قسوس الكنيسة، فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب. وصلاة الإيمان تَشْفي المريض والرب يقيمه" (يعقوب 5: 14).

الكنيسة كأمٍّ تترفق بأولادها ومسؤولة أن تؤمّن لهم احتياجاتهم بالقدر الذي به يسلكون في طريق الصليب. لذلك إذا مرض الإنسان "فليَدْعُ قسوس الكنيسة". ولكن تشترط الكنيسة أن يُلازم سِرَّ مسحة المرضى سِرّ الاعتراف "اعترفوا بعضكم لبعض بالزلاّت"، وهنا واضح أن الذي يعترف هو المريضُ للكاهن وليس الكاهنُ للمريض.

الكنيسة توجّه أنظار المؤمن المريض جسديًا إلى خلاص نفسه والاهتمام بالشفاء الروحي. وما أكثر الفصول من الكتاب المقدس والصلوات التي يبتهل بها الكاهن من أجل غفران خطايا المريض ومن معه، وخطايا الكاهن نفسه، وجهالات كلّ الشعب.

قد تتخطى صلوات الكاهن أبناء رعيّته، لتشمل الأقارب والأصدقاء والمعارف والعالم أجمع، وحتى الذين من خارج "ملّته". وهنا اذكر أحد الأصدقاء الأعزّاء من طائفة الموحّدين الدروز، الذي سألني مرّة إن كنت أذكره في أدعيتي، فجاء جوابي أنّنا عندما نصلّي الطلبة السلامية الكبرى في خدمة القدّاس الإلهي في كنيستنا الأرثوذكسيّة، نقول مما نطلبه من الله: "من أجل هذه المدينة وجميع الأديرة والمدن والقرى والمؤمنين الساكنين فيها إلى الرّب نطلب"، فقلت لهذا الصديق، إن كنت من المؤمنين بالله فأنت في صلواتنا، وكلّ مؤمن كذلك.

لا يمكن أن أصف شعور الكاهن عندما يُطلب منه الصلاة لأجل المرضى المصابين بأمراض مزمنة وبأنواعٍ من الأوبئة، ولا يقل هذا الشعور أهميّة في الدعاء لأجل صحة النفس التي هي أساس مشروع الله الخلاصي. وقد أشار الربّ يسوع إلى أهمية شفاء النفس بعد شفائه لمرضى الجسد، ومثال على ذلك ما ورد على لسان السيد المسيح في إنجيل يوحنّا بعد أن أبرأ المفلوج: "هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ"(يوحنا 5: 14).

الكاهن ليس بساحر إنما رافع الدعاء للرب بالنعمة المعطاة له من الروح القدس. فالشفاء لا يتم فقط بالصلاة التي يرفعها، إنما أيضًا بقوّة الإيمان التي يتحلّى بها المؤمن. وقد واجه يسوع حالات عديدة من المرضى وكان يركّز على صحّة إيمانهم. فَلِلْوَقْتِ صَرَخَ أَبُو الْوَلَدِ بِدُمُوعٍ وَقَالَ: "أُومِنُ يَا سَيِّدُ، فَأَعِنْ عَدَمَ إِيمَان"(مرقس 9: 24). الله يستجيب لصلوات المؤمنين الواثقين به والواضعين رجاءهم عليه.

نحن في هذا البلد نشبه إلى حدّ ما التلاميذ الذين لم يستطيعوا أن يخرجوا الروح النجس من الشاب، وقد وبّخ السيد المسيح تلاميذه لعجزهم عن إخراج الروح النجس، قائلًا: "أيها الجيل غير المؤمن، إلى متى أكون معكم؟ إلى متى أحتملكم"؟(لوقا 9: 41). وبّخهم على عدم إيمانهم وقام هو نفسه بالعمل. هو المسؤول عن الكنيسة كونها عروسَه. لذا يوبّخ خدّامها وأعضاءها عن كل تقصير في إيمانهم أو عملهم ويقوم هو بالعمل. الله لا يترك أخصّاءه، لا يترك خائفيه ومحبّيه. لا يتغاضى عنهم، ولكن كلّ ما هو مطلوب أن نلقي على الرب همومنا وهو سيعولنا، عندها يقبل الله صلوات الكهنة المرفوعة لأجل الشعب المؤمن.

عندما يلمس الرّب قوة إيماننا في هذا البلد سيستجيب لصلواتنا وينقذنا من شر إبليس المستفحل بوطننا، من كل حدب وصوب.

كلّنا مدعوون أن نصلي بعضنا لبعض، كما ورد في رسالة يعقوب. فكما تقع على عاتق الكاهن مسؤوليّةُ الصلاة لأجل أبنائه، كذلك هم بدورهم عليهم المسؤوليّة في الدعاء له. وعندما نشعر أن المؤمن أخٌ للمؤمن في هذا البلد، كونوا على ثقة أن الرب سيرحمنا.

لنعرض على ربنا كلّ أعمالنا لكي يكمّل كلّ نقص فينا، حتى ولو وبّخنا على ضعفاتنا.