الرحابة حدود لبنان.

لهذا الوطن الذي فيه إنتماؤك، مناحي مختلفة يعلو بها حدوده الفاعلة، والتي بها يُتَجَاوز التباعد الى الوحدة بالحق. فلنَعتَرِف بدايةً أنَّها حدود تفوق الترابيَّات، وإلتماسُها يجب أن يكون منّا، نحن مَن بقينا هنا لأنَّ ترابَ هذا الوطن يعنينا في ما هو رُفات الأجداد، فما إنسلَخنا عنه... وعن قناعة.

أن تكونَ حدودُ وطنٍ تضحياتُ أبنائِه، مبالغة، لأنَّ في قناعة كثيرين أنَّ الوطن تستبدِله متى شئتَ تبديل حقيبة سفَرِكَ.

انا لا يهمُّني هؤلاء، فجلّهم يتنكّرون حتى لأسمائهم، أتريدهم أن يقبلوا وطنَهم؟.

انا همّي، أنتَ يا من حدودُ رحابته الأولى فيكَ. فإجعل حدودَه ما في عشقِكَ له من شغفٍ. وهذا ليس بالأمر السهل، خصوصاً متى كانت يوميّات الصعاب في إزدياد. وثِقّ أنَّ هذه الرحابة ستقهر تلك الصعاب.

عندها أنظر الى يقين رحابة لبنان الحدوديّة الأخرى.

بالروح... بالدم

في إدراكِكَ أنَ للبنان حدود الاقامة في مشروع تأسيسيّ مُستدام، محرّكه الروح المبدِع والمبتدِع مساحات مترسلّة للحق، إفتخار تسمية هذا الفعل: ثورة العقل.

هذه ثورة لا كلّ الثورات. الأخيرة دمويّة، مبتذلة، مذلّة بتنكّرها لكافة الاخلاقيَّات طالما همُّها تدمير كلِّ شيء. أمَّا تلك التي ابتدعها لبنان، فهي مُعلِيَةٌ لِعَمَارَاتٍ من ثنائيّة الروح والمادّة، في ثنائيات الشرق والغرب... وحتى أقاصي الأرض.

أوَتريد دليلاً؟ عُد الى بدايات لبنان. ألَم يبتدع الحرفَ، ومنه اللغة، ومنهما المنطق، ومن المنطق العقلانيّة وركيزتها موازنة الأضداد، وعَكسُها يفضي الى جنوح التطرُّف؟.

بالغِ التحديقَ، ترى إمبراطوريَّات الإقصاء بالحديد، والإنصهار بالنار، والمجاهرة بغطرسات القوة زالت، إلّا امبراطوريَّة الروح التي غزا فيها لبنان العالم منذ قدموس الذي لليوم، لقبه: "معلِّم معلِّمي العالم". وهو لقب ما منحه إيَّاه لبنان، بل من حَمَل إليهِم فتوحات المعرفة وإنفتاح الإصطفاء بالعقل.

والروحُ لوحدِه ِلا يكفي لتأكيد غَلَبَةِ العقلِ بل صنوُّه لذلك الحريَّة، وهي دمُّ الوجود.

بها تُحصِّن حدودَ وطنِكَ التي أعلَيتها بالإختيار الوجوديِّ.

لا! أنت لستَ عبداً لأحدٍ تفتديه بدمِكَ، ولا أنتَ غالِبٌ للآخر المختِلفِ عنكَ بسفكِ دمِهِ.

لا! ليست هذه حدود لبنان! الدم الحرُّ المقصود هنا، هو الذي يغذّي الحياة: هو خَتمُ من لا يتنكَّر لحقيقة ذاتِهِ في التغلُّب على ايِّ توحُّشٍ بُغيَتُه ُالقضاء على إنسانيّة الإنسان.

هي إذاً حدودٌ من نضال، والنضال هنا وعيٌ طليعيٌ، ولا وعيَ غيره. صحيحٌ أنَّ رَحَمَهُ الوجدان، لكن قوَّته التي فيهِ هي أنَّه من نورٍ.

قدسُ الأقداس

حدودُ لبنان، رحابة النور؟ صحيح! به تُبعِدُ بحدودِهِ الى أبعدِ من آخر نقطةٍ منظورةٍ. ومنها تعودُ لتقتربَ منهُ للإتِّحادِ بهِ، فتُصبِحَ أنتَ ولبنان قُدسَ أقداسِ العالم... وتصرخُ إذ ذاك بالعالم: "كن"! فيكون.

وقدس الأقداس بهاءٌ من إرتباطِ أرضِكَ بالسماء. أوَلا تعلم ذلك؟ ألا فأنظر من سَيَّج لبنان قبل ان تكون؟ من دير السيدة في منجز العكّاريّة الى سيدة البشارة في رميش، مروراً بصوامِعَ رهبان مارون في عاصي الحدث، ومغاور المتنسِّكين، وخلوات حكماء بني معروف، ومآذن أهل السنة، وحسينيات من والى عليّا.

أجل! انتَ لستَ من لا مكان. أنتَ مِن لبنان، وإليه!.

هي تلك حدودُه أو... لا يكون.