في خضمّ التحرّكات الشّاجبة لما آل إِليه ملفّ "الكابيتال كونترول"، تحرّك مجلس النُوّاب عبر جلسة الثّلاثاء، مُشمّرًا عن السّاعدَين، فيما لاقاه في المقابل المعترضون على ما سمّوه "القانون المسخ"... داعين إِلى تحرُّكٍ أَمام "جلسة النُوّاب" رفضًا لإِمرار المشروع، وسط أَنباء غير سارّةٍ وردَت في سياق تقرير مُؤسّسة "موديز" للتّقييم الائتمانيّ، مُؤكّدةً خُروج كتلة ودائع مِن الجهاز المصرفيّ بالعُملات الصّعبة تناهز 9.5 مليار دولار خلال سنتين من الأَزمات المُستمرّة"، و"الحبل على الجرّار"...

ولمعلومة في حدّ ذتها، تُشكّل إِدانةً للجهاز المصرفيّ الرّسميّ والخاصّ، وهي بمثابة "جريمةٍ جزائيّة وخُلقيّة"، على ما أَكّد الاثنَيْن رئيس "الاتّحاد العامّ لنقابات عمّال لُبنان" مارون الخولي، وأَردف: "يجب ملاحقة مُرتكبيها مِن المُهرّبين إِلى المُشاركين في تغطيتها مِن الأَجهزة المعنيّة في مصرف لبنان".

حجّة المُعتَرضين...

وبحسب المُعترضين فإنّ الكارثة الماليّة الّتي يعيشها لبنان مِن جرّاء انهيار الليرة أَمام الدّولار الأَميركيّ، سببها الأَوّل كان في تهريب أَكثر مِن 32 مليار دولار أَميركيّ إِلى الخارج، وقد كشف تقرير "موديز" عن جزء من هذه التّحويلات بالدُّولار إِلى الخارج، في وقتٍ يملك مصرف لبنان كامل الحقيقة في شأن حجم هذه الأَموال المُهرّبة، وثمّة مَن يعمل الآن على "تطهير قانونيّ" لهذا التّهريب عبر "قانون الـكابيتال كونترول المسخ"، لتُصبح شرعيّةً ومِن دون أَيّ مُحاسبةٍ، للالتفاف على أَيّ حُكمٍ قضائيٍّ في هذا الشّأن، بخاصّةٍ وأَنّ ملف هذه التّحويلات لم يُقفَل أَمام النّيابة العامّة التّمييزيّة!. وعليه، فإِنّ مشاريع قوانين "الكابيتال كونترول" الثّلاثة المطروحة أَمام الهيئة العامّة للمجلس النّيابيّ، تُشكّل تشريعًا لسرقة المودعين كما وأَنّها لا تتضمّن رؤيةً لسُبُل استعادة أَموالهم، حتّى أَنّها تُعيد توكيل حاكم مصرف لُبنان والأَجهزة التّابعة... لإِدارةٍ كاملةٍ للكابيتال كونترول بعدما فشلت هذه الأَجهزة في التشدُّد في تنفيذ قانون النّقد والتّسليف!.

إلى ذلك يرى الخولي أَنّ "الاستعجال في إِقرار قانون الكابيتال كونترول المسخ تحت حجّة تنفيذ مطالب صُندوق النّقد الدّوليّ إِنّما هو خدعةٌ هدفها إِقراره بالصّيغة الّتي تُؤمّن حماية المُرتكِبين مُخالفاتٍ في قانون النّقد والتسليف". وأَمّا لـ"كابيتال كونترول" بمُوافقةٍ مِن صُندوق النّقد، فيعني تحالُفًا سياسيًّا-مصرفيًّا لحماية المـصارف مِن دعاوى الخارج!.

وأَمّا المُمثّل الرّسميّ لاتّحاد خُبراء الغرف الأُوروبيّة في بَيْروت الدّكتور نبيل بو غنطوس فيتحدّث عن "أَكبر عمليّة تشريعٍ لنهب أَموال الشّعب اللُبناني"، مُستغربًا "كيف وبسحر ساحرٍ، يتمّ استبدال المشروع الّذي تقدّمَت به لجنة المال النّيابيّة، بعدما أَوفته درسًا على مدى أَسابيع، ويُسحَب ليُدرج مكانه، على جدول أَعمال مجلس النُوّاب مشروعٌ آخر، لا أَحد يدري كيف هبط"... ويُضيف: "... ثمّة ما يُشير إِلى أَنّ النيّة في إِمرار مشروع الكابيتال كونترول مِن خارج جدول الأَعمال، في مُقايضةٍ واضحةٍ وصريحةٍ، تنال مِن مسار التّحقيقات في انفجار المرفأ، ناهيك عن مُحاولة الرّبط بَيْن الانتخابات النّيابيّة المُقبلة وتحقيقات المرفإِ أَيضًا".

حجّة سلامة

وفي المقابل، يقول حاكم مصرف لُبنان رياض سلامة: "طلبْتُ تغطيةً رئاسيّةً لـ"الكابيتال كونترول" ولم أَلقَ جوابًا"... ما يعكس أَيضًا حال تفشّي المحسوبيّات والتّغطية السّياسيّة الواسعة، للفاسدين والمُفسدين والباعثين في الأَرض فسادًا... ولكن هُنا تبدو حجّة سلامة هي الأَقوى، في الدّفاع عن نفسه مِن تُهمة المُساهمة عبر سياسة مصرف لبنان في الانهيار النّقدي العامّ... فثوب الطّاقم السّياسيّ عندنا فضفاضٌ... وحين نقول إنّ حجّة سلامة منطقيّةٌ، فإِنّ ذلك لا يُراد منه تبرئة الحاكم ولا اتّهامه، وإِنّما يأتي الكلام في سياق عرضٍ بانوراميّ لجوانب ذات صلةٍ حثيثةٍ بالانهيار الشّامل في لُبنان، جعل حجار الهيكل تتهاوى بفعل اصطدامها ببعضها البعض...

رأيٌ آخر...

ووسط هذه الضَّوضاء، يخرج أَيضًا مَن يقول: "إِنّ مشروع قانون الكابيتال كونترول مِن شأنه أَن يوقف الاستنسابيّة في التّحاويل إِلى الخارج... ومُجدّدًا تصحّ المقولة الشّهيرة: "هلّق جايين تحكو بالليسترين"؟!...

مَن يتحمّل المسؤوليّة؟...

ولا بُدّ في نهاية المطاف، مِن التّوافُق وإِقرار، أَنْ تتحمّل جهةٌ ما، مسؤوليّة ما حصل لأَموال المودعين اللُبنانيّين: هل تكون الدّولة؟... أَو المصرف المركزيّ؟ أَو المصارف الخاصّة؟ أَو الثّلاثة معًا؟!، قد يكون العمل جاريًا الآن، لأَن تتحمّل الدّولة وحدها المسؤُوليّة، بحيث يتمّ بيع جزءٍ مِن أُصولها لهذا الغرض.