شهد لبنان في العامين الماضيين أزمة إقتصادية تاريخية أرخت بظلالها على جميع القطاعات الحياتية من إجتماعية وصحية وإقتصادية وتعليمية. فانهيار قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار ضاعف من معاناة قاطني هذا البلد. وتسلّل هذا الإنهيار إلى حياة ذوي الدخل المحدود ليكون أشدّ قساوة عليهم من غيرهم لناحية تأمين الحاجيات الأساسية لهم ولعائلاتهم من طبابة ومأكل وملبس وتعليم، لذلك أصبحت قدرة العديد من الطالبات اللبنانيات والسوريات غير متوفرة لمتابعة تحصيلهن الجامعي خصوصاً هذه السنة، بعدما بلغ سعر صرف الدولار مستويات قياسية لم يسجّلها من قبل.

تحدّيات

"أهلي ما معن ياكلو هاي السنة حتى يعلّموني". بهذه الكلمات تختصر طالبة الهندسة سنة ثالثة في الجامعة اللبنانية الفرع الأوّل ب. ن. معاناة شريحة واسعة من زملائها على مقاعد الدراسة، وتشير إلى أنّ "والدها أستاذ كيمياء في التعليم الرسمي ولم يعد راتبه الذي تقدّر قيمته بـ 110$ يكفيهم لنصف الشهر، فكيف سيستطيع أن يستأجر لها غرفة في سكن جامعي خصوصاً وأنّ إيجار السرير الواحد قرب مجمع الحدث الجامعي أصبح 900 ألف ليرة لبنانية أي نصف راتب والدها تقريباً؟" وتوافقها الرأي الطالبة السورية مريم بيرقدار سنة ثانية علوم حياتية في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية الفرع الأوّل، لافتةً إلى أنه "لم يكن باستطاعة أهلها تحمّل أعباء العام الجامعي الفائت حتى، خصوصاً عندما كانت تجري الإمتحانات حضورياً"، معتبرةً أنّ" تكاليف التنقل هذا العام أغلى بكثير من العام الفائت"، ومطالبةً "بخفض رسوم التسجيل في الجامعة اللبنانية للطالب السوري ليصبح كالطالب اللبناني لأنّ معاناتهما واحدة في هكذا وضع إقتصادي".

ويؤكد ع. خ. صاحب مجمع غرف للإيجار للطلاب في محيط مجمع الحدث الجامعي، أنّ "هذا العام ستكون الأسعار أعلى بـ 6 أضعاف بالحدّ الأدنى، مقارنةً بالعام الفائت"، لافتاً إلى أنّ "الإيجارات مرشحة للإرتفاع مع ازدياد الوضع الإقتصادي سوءاً، وذلك بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار ممّا ينعكس مباشرة على زيادة التكاليف التي يتكبّدها للقيام بأعمال الصيانة الدورية، بالإضافة إلى زيادة سعر المازوت".

منح في مواجهة الغلاء

تواجه كلّ من الطالبات اللبنانيات والسوريات تحدّيات جمّة أبرزها عدم قدرتهن على تكبّد الرسوم الجامعية، وهذا ما تؤكده طالبة الماجستير في اختصاص التاريخ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية - الفرع الثالث، صفاء أسعد، قائلةً: "أنهيت مرحلة الإجازة وحصلت على معدّل جيّد جدّاً. بعدها، بدأت الأزمة الإقتصادية تشتدّ، فقرّرت أن أترك الدراسة وأكتفي بشهادة الإجازة بسبب القلّة المادية، فلم يعد يكفي راتب زوجي لتأمين مصاريف جامعتي ودراسة أطفالي في آن واحد". أضافت: "في الوقت ذاته، كانت الحسرة والقلق يراوداني بسبب الرغبة الشديدة بمتابعة دراستي، وإذ يكلّمني زميل لي في الكلية ويرسل لي رابط بعنوان منحة "هوبس" للبنانيين والسوريين. دخلت على الرابط وسجّلت جميع المعلومات والشروط المطلوبة وذكرت لهم معاناتي من الشحّ المادي الذي يمنعني من متابعة مرحلة الماجستير، وبعد فترة أتى الردّ بأنني قد حصلت على المنحة". وتوضح صفاء أنّ "المنحة عبارة عن تغطية رسم تسجيل الجامعة، بالإضافة إلى بدل شهري لتغطية نفقات الطرقات ومستلزمات الدراسة".

كما حصلت على المنحة ذاتها الطالبة السورية مؤمنة مليشو سنة ثانية كيمياء في كلية العلوم الفرع الأوّل بالجامعة اللبنانية، وتتحدّث بدورها عن "الصعوبات التى واجهتها هذه السنة من الغلاء الفاحش بالنسبة لشراء الكتب والمستلزمات المطلوبة، بالإضافة إلى خدمة الإنترنت الضعيفة جدّاً التي كانت تمنعها من متابعة المحاضرة عبر برنامج "ميكروسوفت تيمز" بشكل جيّد". وأشارت إلى أنّ "تكلفة بدل النقل من منزلها الكائن في البقاع-زحلة إلى الجامعة يبلغ، ذهاباً وإياباً، ما لا يقلّ عن 160 ألف ليرة لبنانية، لكن على الرغم من ذلك، استطاعت مواجهة هذه الصعوبات بفضل الدعم المالي الذي تقدّمه "هوبس"، إذ زوّدتها بكل ما يلزم لإتمام الأبحاث من شراء كتب وقرطاسية وغيرها".

وتجدر الإشارة، إلى أنّ منحة “hopes-leb”[1] تعطى لطلاب الجامعة اللبنانية والجامعة اللبنانية الدولية فقط.

صعوبات متزايدة

رأى مدير العلاقات العامة في الجامعة اللبنانية الدولية أيمن حدرج أنّ "هناك الكثير من التحدّيات التي تواجه الشباب هذا العام تحديداً للإلتحاق بالعام الجامعي، ولعلّ أبرزها إمتلاك القدرة المادية للتسجيل، ناهيك عن الإنتقال من مكان السكن إلى الجامعة"، معتبراً أنّ "الأشخاص الذين يأتون من أماكن بعيدة عن الجامعة يحتاجون على ما لا يقل من مليون و200 ألف ليرة لبنانية شهرياً".

وأشار حدرج إلى أنّ "الجامعة تعطي نوعين من المنح للطلاب السوريين للحدّ من هذه المعوّقات: منح تقدّم من الجامعة بالإتفاق مع برامج تربوية وجمعيّات تدعم الطلاب مثل سبارك، أجيالنا، لايزر وهوبس. وبالإتفاق مع هذه الجمعيّات، تقدّم الجامعة منحة تصل إلى 50% من قيمة التكاليف إضافة إلى رسوم التسجيل، والجمعيّة تتكفل بالـ 50% المتبقية. أمّا بالنسبة للطلاب اللبنايين، فيستفيدون من منح تصل إلى 100% في بعض الأحيان، ولكن بسبب الوضع الإقتصادي، خفّضت النسب هذه السنة".

وفي سياق متصل، تتشارك كلّ من الطالبة اللبنانية سنة أولى علوم في الجامعة اللبنانية الفرع الأوّل ي.ع. والطالبة السورية آلاء الهبيطي سنة ثانية علوم في الجامعة نفسها، الإستفادة من منحة vip fund[2]، وتؤكّد كلّ من الطالبتين أنّ" هذه المنحة كانت الداعم الأكبر لهما للانخراط بالجامعة"، خصوصاً وأنّ الطالبة الأولى تسكن في منطقة الزهراني في جنوب لبنان، والثانية تسكن في جب جنين في شمال لبنان ولا تستطيعان أن تتحمّلا تكاليف التنقل اليومي إلى بيروت لولا تغطيتها من المنحة. وأشارت آلاء إلى أنّ هذه المنحة أمّنت لها، بالإضافة إلى الراتب الشهري الذي يغطي رسوم التسجيل وكافة المصاريف الأخرى، جهاز حاسوب من أجل إتمام أبحاثها على قاعدة أنه لجميع الطلاب الحقّ بامتلاك فرص متساوية بالتعليم الجامعي.

يذكر أن منحة vip fund لا تعطى للطلاب فقط بل للمتدرّبين والمتطوّعين والأساتذة، ونظامها مختلف عن المنح الأخرى، فهي لا تقدّم مساعدة مباشرة للطالب، إذ تتمّ آلية جمع التبرّعات من خلال حملة يطلقها الطالب عبر منصة edSeed. تعرض هذه الحملة على متابعيها في أميركا والعالم جمع الأموال لتغطية نفقات تعليمهم كاملةً، ممّا يسهل التحاقهم بالجامعة، فتذلّل بذلك العقبات الماليّة التي تقف في طريق استكمالهم لدراستهم، مع لحظ مبدأ تعزيز الإعتماد على الذات. وما يميّز هذه المنحة عن غيرها أنّ الطالب يستفيد منها حتى بعد دراسته: على سبيل المثال، إذا تكفّلت بتدريس طالب بكلية طب الأسنان، بعد تخرّجه، تجمع له تبرّعات لتفتح له عيادة.

دعم معنوي ونفسي للطالبات

نظام المساعدات المتمثل بالمنح لا يقتصر فقط على hopes-leb وvip Fund، فهناك أيضاً منحة أخرى تدعى "دافي"[3]، تعطى فقط لطلاب الجامعة الوطنية. هذا ما تشير إليه الطالبة ح.إ. سنة ثالثة علوم حياتية وكيمياء في الجامعة اللبنانية الفرع الأوّل، التي تحدّثت عن كيفية الحصول على هذه المنحة، لافتةً الى أنه "يمكن التقديم على المنحة عبر صفحة "دافي" على فايسبوك عندما يفتح باب التسجيل، وذلك عبر تعبئة إستمارة خاصة بالمنحة"، موضحةً أنّ "هناك عدّة مراحل للوصول إلى قبول الطالب، تتلخص بمرحلة دراسة ملفات المتقدمين للمنحة، بعدها، إختيار عدد من الطلاب الذين يخضعون للمقابلة لتقييم وضعهم المعيشي، ومن ثمّ يجري هؤلاء إختباراً كتابياً يتناول معلوماتهم العامة، وعلى أساس النتائج، يتمّ إنتقاء المقبولين للإستفادة من المنحة". وشدّدت على أنّ "المنحة تغطّي رسم التسجيل في الجامعة اللبنانية، وبدل كتب لمرّة واحدة في كل فصل وبدل شهري يقدّر بقيمة 700 ألف ليرة لبنانية".

وتشير الطالبة إلى أن "دافي" لا تقتصر على تأمين الدعم المادي فقط بل تتعدّاه إلى الدعم النفسي أيضاً. فالمنحة تعنى كثيراً بصحة الطلاب النفسية، وذلك من أجل تأمين أفضل السبل لإنخراطهم في البلد المضيف والإستعداد جيّداً لدخول سوق العمل، فتلزم المستفيدين منها بدورات تطوعيّة وهي بمثابة 60 ساعة في السنة مقسّمة الى 30 ساعة في كل فصل جامعي مع جمعيّات أو مؤسسات من اختيار الطالب و6 دورات تدريبية في مختلف المجالات، شرط أن تفيد الطالب والمجتمع المضيف"، مؤكدةً أنه "يمكن لكل شخص مستفيد من المنحة أن يتحدّث مع معالج نفسي مجاناً، خصوصاً الطلاب الذين يعانون من صعوبة بالإندماج بالمجتمع المضيف، أو لديهم مشاكل في الجامعة أو مشاكل عائلية أو نفسية".

"حلم كبير تحقق". بهذه الكلمات تختصر الطالبة السورية ملك قصاص التي تخرّجت من الجامعة اللبنانية الدولية في اختصاص علوم الكمبيوتر هذه السنة، مسيرتها الجامعية. ملك واحدة من الطالبات اللواتي استفدن من منحة "سبارك"[4] وأنهت دراستها الجامعية بتفوّق. فوضع عائلتها التي تقطن بسوريا لم يكن يسمح بأن تتكفل بتكاليف جامعة خاصة لها في لبنان. وتوجّهت إلى الطالبات قائلةً: "لا تيأسن من ظروف قست عليكن، بل اصنعن من الحرب التي هجّرتنا نقطة قوة، ولا تخجلن من طلب المساعدات المتمثلة بالمنح، لأنها وسيلة لتحقيق أحلامكن". وتشدّد الطالبة على أنّ "سبارك تسهّل للمستفيدين منها الوصول إلى الخدمات الطلابية التي تشمل الإستشارات النفسية الإجتماعية، فيستطيع أي طالب أن يخضع لجلسات علاج نفسي متى يشعر أنه بحاحة لذلك"، مشيرةً إلى أنّ "العديد من الطلاب خضعوا للدورات الإختيارية التي تهدف إلى بناء الشخصيّة".

يذكر أنّ منظمة "سبارك" إفتتحت فرعها في لبنان نهاية العام 2015 من خلال مكتب يسهّل انخراط الطلاب ضمن مؤسسات التعليم العالي، وأطلقت برنامجها الأوّل في نفس العام تسهيلاً لعملية متابعة تعليم الطلاب وخصوصاً النازحين، وبالتالي قيادة مجتمعاتهم المتأثرة بالصراعات نحو الأفضل. وتعنى هذه المنحة بالجامعات الخاصة فقط إذ عقدت إتفاقيات مع الجامعة اللبنانية الدولية، ومع الجامعة الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا، ومع جامعة القديس يوسف وجامعات أخرى مثل جامعة الجنان والجامعة العربية المفتوحة وجامعة الإمام أوزاعي.

هذا وأكّد مدير العلاقات العامة في الجامعة اللبنانية الدولية أنّ "الجامعة تقدّم دعماً نفسياً ومعنوياً متمثلاً بمحاضرات وندوات تثقيفية وتوعوية تعنى بالجانب النفسي للطالب".

صعوبة ما يجري في لبنان على مختلف الصعد الإجتماعية والسياسية والإقتصادية وحّدت معاناة الطالبات اللبنانيات والسوريات. فبعد حوالي عشر سنوات على دخول السوريين إلى لبنان هربًا ممّا يجرى في بلادهم من قتل ودمار، تواصل اللاجئات الشابات الكفاح من أجل إكمال تعليمهن الجامعي في لبنان، وذلك عبر البحث عن نظام منح يضمن لهن إستمرارية هذا التعليم حتى تخرجهن. وتشاركهن بذلك طالبات لبنانيات حال الوضع الإقتصادي المزري في بلدهن دون إلتحاق العديد منهن بالعام الجامعي هذه السنة، ما يجعل المساعدة المالية والنفسية حاجة ملحة لتمكين هؤلاء الطالبات من إتمام دراستهن الجامعية، ويساهم بتحسين حظوظهن بإيجاد فرص عمل بالمستقبل.

[1] HOPES-LEBهي برنامج للمنح الجامعيّة لدرجتي ‏الماستر و‏الإجازة بدعم من الإتحاد الأوروبي في لبنان. يوفر هذا البرنامج فرص ومجالات التعليم العالي للسوريين واللبنايين، وهو مموّل بقيمة 8.4 مليون يورو من الإتحاد الأوروبي عبر الصندوق الائتماني الإقليميّ للإتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمة السورية “صندوق مدد”، وتقوم بتنفيذه الھیئة الألمانیّة للتبادل العلميّ DAAD، بالشراكة مع كامبوس فرانس Campus France والھیئة الھولندیّة للتعاون الدوليّ في مجال التعلیم العالي Nuffic.

[2] بدأت فكرة المنحة من جمعيّة أسستها نساء سوريات بأميركا أطلقن عليها إسم vip fund، كمحاولة لمساعدة الطلاب حول العالم من الجنسيات كافة لاستكمال دراستهم الجامعية.

[3] منحة للطلاب السوريين في لبنان وتركيا والأردن، مموّلة بالكامل من الحكومة الألمانية.

[4] تعزِّز منظمة ’سبارك‘ الحق الأساسي في التمتّع بالوصول إلى التعليم العالي (المهني) للشباب السوريين والفلسطينيين والفئات المستضعفة من المجتمعات المضيفة في الشرق الأوسط.