ليس خافيًا على أحد أنّ العلاقة بين "​حزب الله​" و"التيار الوطني الحر" ليست على ما يُرام، فالتباينات المتصاعدة بين الطرفين منذ فترة غير قصيرة، لم تعد محصورة بـ"التفاصيل" الصغيرة، بل باتت تتمحور حول "ثوابت مبدئيّة"، إن جاز التعبير، في ظلّ "امتعاض" متبادَل بين الجانبين، الذي يشكو عدم "تفهّم" الطرف الآخر لحيثيّاته ودوافعه.

لكن، ليس خافيًا على أحد أنّ ما شهدته العلاقة منذ أسبوع وحتى اليوم يكاد يكون "غير مسبوق" في تاريخ التفاهم بين الجانبين، لا سيّما أنّ الأمر وصل لحدّ الترويج لسيناريو "فكّ الارتباط" عن بكرة أبيه، وفقًا لبعض المعلومات المتداولة، التي ذهبت لحدّ تحديد يوم الأحد المقبل موعدًا للإعلان الرسمي عن الخطوة في كلمة "ناريّة" للوزير السابق ​جبران باسيل​.

صحيح أنّ أحدًا لم يؤكد هذه المعلومات "الافتراضّية"، لكنّ أحدًا لم ينكرها أيضًا، في زمن يدرك فيه الجميع أنّ "لا دخان بلا نار"، ما يرسم احتمالين لا ثالث لهما في "مقاربة" المسألة، فإمّا أنّ الخيار مطروح فعلاً تحت الطاولة، وهو قيد الدرس والنقاش، وإما أنّها "مناورة" جديدة، تهدف ربما لتحسين "قواعد الاشتباك"، أو ربما "تطوير" التفاهم، وفق ما يطرح "العونيّون".

فما حقيقة الأمر؟ هل يستعدّ الوزير باسيل فعلاً لنعي "تفاهم مار مخايل" الأحد الماضي، كما نعى سائر التسويات والتفاهمات مع "​تيار المستقبل​" و"​القوات اللبنانية​" وغيرهما سابقًا؟ وهل وصلت الأمور فعلاً إلى نقطة "اللا عودة" بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"؟ وأين "المصلحة" في فكّ تفاهمٍ لطالما جاهرا بأنّه "محصَّن"، أو أنّه "يهتزّ ولا يقع"؟!.

لا شكّ أنّ "المشكل" الواقع حاليًا بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" لا يشبه أيًا من الاختلافات والتباينات السابقة، فالأمر ليس مرتبطًا بامتعاض "التيار" من وقوف "الحزب" إلى جانب حليفه رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ على حسابه مثلاً، وليس مردّه انزعاج "الحزب" مثلاً من تصريح "نافر" لأحد أعضاء "التيار"، تستطيع القيادة "التنصّل" منه بكلّ بساطة.

هذه المرّة، يمكن الحديث عن "خلاف مباشر" بين الجانبين على المقاربات، وصل إلى ذروته مع "لا قرار" المجلس الدستوري الأخير، الذي يعتبر "التيار" أنّه لا يمثّل تدخّلاً من جانب "الحزب" وحليفه في الشؤون القضائية فحسب، ولكنه جاء "انتقامًا" منه بعد سقوط "التسوية" التي كان "الثنائي الشيعي" يراهن عليها لحلّ "أزمة" المحقق العدلي ​القاضي طارق البيطار​.

ولعلّ هذه الأزمة تشكّل "ذروة" الخلاف بين الجانبين، فـ"التيار الوطني الحر" لا يستوعب، وفق ما يقول المحسوبون عليه، دوافع "الحملة" غير المسبوقة التي يشنّها "الحزب" على المحقق العدلي، والتي لم تعد محصورة بـ"حرية الرأي وحق النقد"، بعدما وظّفها في كلّ شيء، لمحاولة "فرض" ما يريد، و"تطويع" المؤسسات لذلك، من الحكومة إلى المجلس الدستوري.

ولا شكّ أنّ "تعطيل ​مجلس الوزراء​" شكّل السبب المباشر للأزمة بين "الحزب" و"التيار"، الذي بدأ أخيرًا يهاجم رئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​، وهو المدرك أنّ الأخير "لا حول له ولا قوة"، لعلّه بذلك يوصل "الرسالة" إلى "حزب الله"، الذي ضيّع على "العهد" فرصة تكاد تكون "تاريخية" لتعويض "الإخفاقات" المتتالية منذ بدء الولاية الرئاسية حتى اليوم.

ويقول البعض إنّ "التيار" كان يمنّي النفس بأن يستطيع من خلال هذه الحكومة، رغم كلّ الصعوبات والمعوّقات، أن يتغلّب على شعار "ما خلّونا" الذي بات ينفّر القاعدة الشعبية والجماهيرية لـ"التيار" قبل خصومه، فإذا بـ"حزب الله" يضمّ نفسه إلى قائمة "المتهَمين" بالوقوف ضدّ "العهد" ومنعه من تحقيق الإنجازات، بدل أن يكون عاملاً مساعدًا وميسّرًا.

لكلّ هذه الأسباب، تبدو فكرة "فكّ الاشتباك" مع "حزب الله" أكثر من واقعية ومنطقية، بالنسبة إلى "العونيّين"، الذين يذكّرون بأنّ باسيل يدعو منذ فترة طويلة إلى "تطوير التفاهم" بما ينسجم مع المرحلة الحالية ويتناغم مع الأولويات المستجدّة، تفاديًا ربما للوصول إلى هذا "السيناريو القاتم"، لكنّه للأسف لم يجد أيّ استجابة من جانب "الحزب" الذي فضّل "التطنيش".

في الموازاة، يعتكف "حزب الله" عن الكلام المُباح، ويرفض الإدلاء بأيّ تعليق على "كثافة" الانتقادات "العونية"، انسجامًا ربما مع سياسته القائلة بمعالجة التباينات بين الحلفاء، أو حتى الأصدقاء، داخل "الغرف المغلقة"، وهو ما دفع الأمين العام للحزب ​السيد حسن نصر الله​ مثلاً لتجاهل هذه الانتقادات في معظم خطاباته، والتركيز فقط على ما يقوله "الخصوم".

لكنّ سياسة "التجاهل" هذه أدّت إلى ردّة فعل "عكسيّة"، وفق كثيرون، حيث شعرت جماهير "التيار" بأنّ الحليف يعاملهم بـ"لا اكتراث"، وأنّه لا يأخذ "تحفّظاتهم" على محمل الجدّ، وقد جاءت أزمة الحكومة لتزيد الطين بلّة بالنسبة إلى فريق سياسي، يعتبر التحقيقات في ​انفجار مرفأ بيروت​ من "الثوابت"، وأيّ عرقلة لها، أيًا كانت دوافعها، "جريمة كبرى".

وبين هذا وذاك، يبقى السؤال عمّا إذا كان الطرفان متّجِهَيْن فعلاً إلى "فكّ التحالف" بينهما، وما إذا كانت "المصلحة" تقتضي مثل هذه الخطوة، على أبواب انتخابات نيابية يراهن عليها كثيرون، إن حصلت في مواعيدها الدستورية، لتغيير الكثير من المعادلات، بل يبالغ البعض في توقّع حدوث "انقلاب سياسي" نتيجة تغيّر المزاج الشعبي في الأشهر القليلة الماضية.

يقول البعض إنّ "المصلحة الانتخابية"، لا السياسية، قد تميل لصالح "التصعيد المتبادَل" بين الجانبين، خصوصًا أنّ "التيار" يعتقد أنه خسر الكثير شعبيًا في الآونة الأخيرة بسبب "اصطفافه" إلى جانب "الحزب"، الذي قدّم في المقابل هدايا "مجانية" إلى خصمه "التاريخي" رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، خصوصًا بعد "واقعة" الطيونة الدموية الشهيرة.

لكنّ المصلحة السياسية، في المقابل، تبدو "معاكسة"، فكما أنّ "الحزب" بحاجة إلى "التيار"، نظرًا لأهمية "الغطاء الشعبي" الذي يوفّره له على أكثر من صعيد، يرى البعض أنّ "التيار" بحاجة إلى "الحزب" أيضًا، بعدما خسر كلّ حلفائه، وهو لن يستطيع خوض الكثير من الاستحقاقات المقبلة، بعد انتهاء الولاية الرئاسية، من دون "مساندة" أو دعم.

تختلف الآراء حول ما سيقوله باسيل الأحد المقبل، انطلاقًا من كلّ ما سبق. ثمّة من يؤكد أنّه سيعلن "وفاة" التفاهم، وهو ما سبقه الكثير من الناشطين "العونيّين"، ممّن نعوا "مخايل" على سبيل الدعابة. لكن ثمّة من يرى أنّ كلّ الأجواء السائدة لا تعدو كونها "مناورة" لـ"تحصين" التفاهم وفق شروط جديدة، تمنعه من "السقوط"...