تثبّت موعد الإنتخابات النيابية في منتصف شهر آيار المقبل، لكن القوى السياسية ترصد حركة رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري: هل يعتكف عن خوض الإنتخابات؟ أم يخوض الإستحقاق؟.

يحتّم قرار الحريري على كل القوى وضع حساباتها الانتخابية على المشرحة بما يتعلق بالتحالفات، ثم التعامل مع الناخبين السنّة، خصوصاً في الدوائر التي تشهد إختلاطاً انتخابياً: الشوف، زحلة، عكار، بيروت، البقاع الغربي، طرابلس. سيحاول كل من رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس حزب "القوات" سمير جعجع جذب ناخبي التيار الأزرق إلى صفوفه. لكن الإرباك سيعم الساحة السنّية التي ستجد أنها صارت مساحة تجاذب حاد بين مشاريع وخطابات سياسية متناقضة.

بإنتظار موقف الحريري لا يمكن حسم أي مسار في شأن تموضع الناخبين السنّة، لكن المشهد الضبابي يعمّ ساحات أخرى بعد إزدياد الشرخ بين التيار "الوطني الحر" و"​حزب الله​". واذا كانت كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون أتت ملطّفة في الشكل، لكنها حملت رسائل سيظّهرها رئيس التيار البرتقالي النائب ​جبران باسيل​ في خطابه بعد أيام، في ظل صمت الحزب المذكور.

فما هي اسباب التباين الحقيقي بين فريقي "مار مخايل"؟.

لم يعد خافياً ان علاقة باسيل بمسؤول وحدة الارتباط في "حزب الله" ​وفيق صفا​ ممتازة، لدرجة يُحكى فيها ان صفا يتبنى كل طروحات رئيس "الوطني الحر" ويدافع عنها امام قيادته، لكن صفا لم يستطع ان يستحصل على تبني حزبه لترشح باسيل الى انتخابات رئاسة الجمهورية.

صارت الاشهر الفاصلة عن موعد الاستحقاق مساحة زمنية طبيعية للبحث في شخصية الرئيس العتيد للجمهورية. سبق وتمّ رسم سيناريوهات تتعلق بنتائج الإنتخابات النيابية: ماذا لو نال حلفاء الحزب المذكور الأكثرية في المجلس؟ من سيرشحون لرئاسة الجمهورية؟

يعرف باسيل ان بمقدار حاجته للتحالف مع "حزب الله"، فإن الحزب يحتاج لإبقاء التحالف مع "الوطني الحر". هناك مصلحة مشتركة متبادلة بين الفريقين، من شأن التفريط بها حصول خسائر للفريقين معاً، وان كانت خسارة باسيل ستكون مضاعفة.

لا يبدو ان الحزب سيُعطي راية رئاسة الجمهورية لرئيس "الوطني الحر"، خصوصاً في حال رفع باسيل من سقف خطابه السياسي ضد الحزب ومصالحه. لكن الحليف البديل عن الآخر عند الطرفين، ليس متوافراً حالياً. وهو ما يحتّم على الفريقين الذهاب لاحقاً نحو تسوية خلافاتهما. الاّ إذا وضع باسيل ملف الرئاسة عنواناً جوهرياً أساسياً لبت أيّ مسار سياسي أو طرح تعديل النظام اللبناني، للتوجه نحو الفدرالية عبر اللامركزية المتدرجة التي طرحها رئيس الجمهورية.

يتردّد في المجالس السياسية كلام عن عقد اجتماعي جديد صار مطلوباً بعدما إنتهى مفعول النظام الحالي. وهو ما يتخذه الفريق البرتقالي شعاراً تفاوضياً مفتوحاً، لكن أي نظام مطلوب؟ لا يبدو ان اي حل خارج صيغة الدولة المدنية سيكون علاجاً للبلد، لأن كل الاشكال المطروحة سواء المثالثة أو المحاصصات المنقّحة أو الفيدراليات المقنّعة لن تستولد دولة عادلة ومواطنية صالحة.

بالإنتظار، ستحمل السنة الآتية متغيرات سياسية عميقة لا تقتصر على انتخابات نيابية او رئاسة جمهورية، بل قد تطال أساس النظام السياسي، فإما تمدد الأزمة فتعمّقها، أو تفرض حلولاً جزئية بغياب التوافق الذي يستولد الدولة المؤسساتية القوية.