تزداد ظاهرة المشاكل الزوجية وتخرج إلى العلن. ومردّ ذلك إلى إلى الضائقة الإقتصادية التي نعيشها، فأخرجت النار من تحت الرماد. وما زاد الطين بلّة أزمة الكورونا لكي تكون بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير". هذا مثل يشير إلى حدث صغير يُحدث أثرًا كبيرًا (معنويًا عادةً) ليس بذاته فقط بل لأنه جاء بعد تراكم كثير من الأحداث.

يبدو أن معظم الذين دخلوا نفق الخلافات الزوجية علنًا، استطاعت الأزمات التي تعصف بنا أن تهزّ الهدنة المتستّرة بين الزوجين، ليتبين أن القصّة "مش رمانة إنما قلوب مليانة"، وبالتالي نكتشف وبوضوح أن "القلّة بتولّد النقار".

الإرتباط الزوجي يقوم على المحبّة والتضحية والتسامح والتواضع والقناعة والصبر والإحترام المتبادل، وعلى التفاهم والحوار والأخلاق النبيلة، كما أنّ الزواج مبني على إحتمال بعضهما لبعض في الملمّات والأمراض والمشاكل على أنواعها. ولا بد من الإنتباه والتيقّظ من الغيرة والحسد، ومن التكابر والإهمال، والخيانة والتعنيف.

يقول الإنجيلي متى: "مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا"(متى 19: 5)، وهذا عينه ما ورد في سفر التكوين "لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا"(تكوين 2: 24). هذا الإلتصاق إنما هو إندماج مميّز بين شخصين في وحدة واحدة. وهذا يحتّم عدم السعي إلى الإنفصال عندما تسوء الأحوال. على الزوجين الإلتزام بالحوار كما والصلاة معًا، والصبر في ثقة بأن الله يعمل في قلبيهما. كذلك يجبُ عليهما أن يكونا على استعدادٍ دائمٍ للاعتراف بالخطأ وطلب المغفرة. وعلى رأس هذه الوصايا تأتي كلمة الله التي يطلبانها يوميًّا من خلال مطالعتهما للكتاب المقدّس.

سمعت مرّة أحدَ شيوخ الكنيسة يقول لشخصين مقبلين على الزواج الكنسي: "إذا أتيتما من الإنجيل فلا خوف على ارتباطكما". الحياة الزوجيّة ليست دائمًا شهر عسل، إذ تطالها مشاكل كثيرة، ولكنّ الإنسان المؤمن يسعى لكي يذلل كل العقبات التي تعثّر زواجه، بالتفاهم والحوار والإستماع إلى ما يضايق الشريك، وبجعل الإنجيل الحكم الذي يعدل بينهما. يُضافُ إلى ذلك طلب المشورة من مراجع روحية مؤهّلة، اذا كان الزواجُ كنسيًا.

لهذا نوصي المتزوّجين بثلاث وصايا: الشكر، مهما كان الضيق، الغفران، مهما كانت الإساءة، والرجاء، مهما كانت الظروف.

لقد خلق الله آدم أولاً ثم خلق حواء. وأحضر الله بنفسه حواء إلى آدم. وقد رسم الله بنفسه أن يجتمعا معًا في زواج مقدّس، وقال أنه يصبح الإثنان جسداً واحداً. هذه هي صورة العلاقة الزوجية الحميميّة–علاقة الحب التي لا تكون سوى بينهما هما الإثنين. فالعلاقة الجنسيّة بين الزوجين هي تعبير عن الحبّ، فلا يأتيانها بأبعادها الغرائزيّة.

ما هو المطلوب لتحصين مؤسسة الزواج في هذه الأيام العصبية، وفي كل يومٍ من أيامنا؟

أولًا: التفكير في كلّ كلمة قبل أن تخرج من الفم.

ثانيًا: السيطرة على ردّات الفعل، كي لا تكون أسوأ من الفعل.

ثالثًا: التحلّي بالصبر وعدم الإنفعالات الموتورة.

رابعًا: الحفاظ على الثقة والإحترام المتبادل ورمي الظنون الهدّامة.

خامسًا: عدم إدارة الأذن إلى كلام السوء الصادر من الأقرباء.

سادسًا: التعاون في مواجهة هذه الضائقة بالحكمة، دون تمنين.

سابعًا: التخفيف من العنجهيّة الّتي ورثتماها من أهلكما.

ثامنًا: التواضع الذي هو السبيل إلى تفهّم هواجس الآخر.

تاسعًا: الإصغاء إلى رأي وموقف الأولاد سيّما اذا كانوا بالغين.

عاشرًا: تلاوة صلوات مشتركة وقراءة مقاطع من الإنجيل، وممارسة الصوم، واتّخاذ مرشدين يتحلّون بقامة روحية لتوجيهكما.

ندائي لكلّ الأشخاص الذين ارتبطوا بسرّ الزواج المقدّس، ألا يهملوا هذه الوديعة التي باركها الله. هذه المؤسسة التي لا تبقى وتستمر إلا بالتنازلات وإحتمال كلّ مصلوبيتها. ومَن يحمل صليبه إلى المنتهى فذاك يخلص.