هلل اللبنانيون وفرحوا بقرار"الثنائي الشيعي" العودة الى اجتماعات مجلس الوزراء، ولو انه كان محصوراً فقط بموضوع درس الموازنة العامة وبعض الامور الاقتصادية والحياتية التي من شأنها تسهيل شؤون المواطنين، من دون القدرة على الدخول في تفاصيل ومواضيع اخرى يحتاجها الوطن بشكل عام. الامر المزعج في الموضوع، هو تهافت الاطراف كالعادة، لحصد النقاط بين من اعاد القرار الى "ضغوط" مارسها وادت الى "الرضوخ" لهذا الحل الجذري، وبين من اعتبر ان العودة اتت "كرماً منه" وتحسساً منه لمعاناة اللبنانيين، ومن "تبجّح" بأنه اجرى اتصالات مع دول خارجية افضت الى هذا الحل المجتزأ، ومن رد الموضوع الى الحلحلة التي شهدتها المفاوضات النووية في فيينا والتقدم الذي حصل على جبهة س- إ (السعودية وايران)... وفي خضم هذا التهافت السخيف لاثبات الوجود، لا بد من معرفة ما هو الانجاز الذي تم تسجيله جراء هذا القرار؟.

الامر المتفق عليه هو ان الحكومة عادت الى الاجتماع، منقوصة عدداً وقيمة. وتشرح مصادر مطلعة معنى هذا التعبير، فتشير الى انه من حيث العدد، لم يتم الاتفاق بعد على اسم وزير اصيل للاعلام بعد ان اثمرت الجهود الدبلوماسية التي بذلت وادت الى استقالة الوزير السابق جورج قرداحي، وتولي الوزير عباس الحلبي اعمال الوزارة بالوكالة، وهذا الامر يحمل دلالات على ان العدد في الحكومة هو امر ثانوي جداً، على عكس ما كان يوهمنا به المسؤولون عن تأخر تشكيل الحكومة تحت ذرائع عدة منها مسألة "الثلث الضامن"، ومنها مسألة العدد، ومنها مسائل اخرى تتعلق بعدم تعاطي الاحزاب بالتشكيل... تبيّن ان كل هذه الاسباب واهية، وانه لا حاجة لاي منها من اجل اعتراض عمل الحكومة او تعطيلها، من دون القدرة على "تطييرها" لانه امر منوط فقط بالخارج.

هذا من حيث العدد، اما من ناحية النقص في القيمة، فتسأل المصادر نفسها: ما نفع حكومة لاتستطيع التطرّق الى مواضيع حساسة وبالغة الاهمية على غرار المشاكل السياسية او الامنية او غيرها، وعلى الرغم من الفصل بين السلطات، الا انه يبقى للسلطة التنفيذية على الاقل، بحث هذه المواضيع على طاولة مجلس وزراء من المفترض انه يمثل تطلعات وآمال اللبنانيين في تحويل كل القرارات والافكار الى واقع ملموس. اين المتنطّحون الذين في العادة، لا يكلّ لسانهم عن التهويل والوعيد والشكوى من تقويض صلاحيات رئاسة الحكومة والطائفة السنّية بأكملها، فهل باتت هذه الصلاحيات مصانة حالياً؟ كيف من المفترض ان يثق المجتمع الدولي بحكومة لا تجرؤ على التطرق الى امور تدخل في صلب مهامها وصلاحياتها؟ اضافة الى ذلك، تسال المصادر: هل صحيح ما يتم تداوله في موضوع التعيينات من ان المحسوبيات وسياسة الارضاء هي التي ستسود كي يجد هذا الملف خواتيمه، والا يبقى معلّقاً كما كان مصير الحكومة؟ ومن ذا الذي سيصدق فعلاً ان التعيينات ستتم من دون العودة الى الاحزاب والتيارات السياسية، ومن سيمنعها من تعطيل الملف والحكومة بأكملها اذا لم تأت هذه التعيينات وفق رغباتها خصوصاً واننا دخلنا سباق الانتخابات النيابية؟.

من الطبيعي القول ان عودة حكومة معطلة وبنصف الفاعلية يبقى افضل من عدم عودتها، ولكن ليس هذا ما يطمح اليه الشعب، وهو امر لا يتوافق ابداً مع متطلبات المرحلة التي يعيشها لبنان، غير انه لا يهم كيف تعود الحكومة ولا كيف يكون مصير ومستقبل البلد طالما ان الزعماء والمسؤولين السياسيين راضون وينعمون بحقوقهم كاملة، والشعب (بغالبيته) يؤيد هذا النهج السيء فيما تيأس القلة القليلة من القتال وتتجه شيئاً فشيئاً الى ترك الاوضاع على ما هي عليه الى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً. ويمكن القول ان وضع الحكومة هو صورة مصغّرة عما ينتظر لبنان على المدى المنظور المقبل، بحيث ستستمر سياسة "الترقيع" بنجاح منقطع النظيرلتسيير شؤون الوطن والمواطن.