ينعقد مجلس الوزراء اليوم بعد غياب ثلاثة أشهر وعلى طاولته مشروع موازنة 2022 وصل متأخرا ووزع على الوزراء نهاية الاسبوع الفائت لينتظر مناقشته وإقراره.

أسئلة كثيرة تطرح، هل يمكن اعتبار هذه ​الموازنة​ إصلاحية؟ لماذا لم تحدّد نسبة النموّ ومستوى ​التضخم​؟ كيف ينظر ​صندوق النقد الدولي​ الى نسبة عجز تصل الى 31% بعد اضافة بند الكهرباء؟ هل صحيح أنها ضرائبيّة بامتياز ومن تداعياتها انها ستُرفع الاسعار؟ لماذا لم تحدّد سعر الصرف وأبقت الموضوع بيد وزير المال؟ ماذا عن التقديمات الأجتماعية؟ ولماذا لم تتطرق الى موضوع التهريب؟ والأهم كيف يقرأ أهل المال والاقتصاد هذه الموازنة؟!.

في هذا السياق اعتبر كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في بنك عودة د. مروان بركات في حديث خاص لـ"النشرة"، أنه يجب ألا تتعدى نسبة العجز في الماليّة العامة 2% من الناتج المحلي الإجمالي، تماشياً مع متطلبات صندوق النقد الدولي، والذي يعدّ شرطاً أساسياً لإبرام اتفاق شامل مع ​لبنان​. هذا ورغم الحاجة إلى استخدام أسعار صرف جديدة لاحتساب الضرائب لتأمين تمويل المساعدة الاجتماعية لموظفي القطاع العام في ظلّ التدنّي الكبير في قيمة العملة الوطنيّة، إلا أنه يجب أن يكون تعزيز الإيرادات انتقائياً ومدروساً كي لا يؤدي إلى انكماش إضافي في الاقتصاد من ناحية، وضغوط إضافية جمة على الأسر من ناحية أخرى. وأبعد من زيادة الرسوم، يجب تعزيز الجباية ومكافحة التهرّب الضريبي ومجابهة الاستنسابيّة في الامتثال الضريبي.

ورأى بركات انّ رفع الدولار الجمركي على سبيل المثال من السعر الرسمي الحالي الى سعر أكثر استدامة يحمل مفاعيل مؤاتية، بحيث يحدّ من الاستيراد وبالتالي العجز التجاري الذي بلغ زهاء 40% من الناتج المحلي السنة الماضية، مع خفض موازٍ للعجز في ميزان المدفوعات مع ما يحمله ذلك من إيجابيات على الموجودات الخارجية الصافيّة للقطاع المالي. كما يوفر ذلك دعم القطاعات المنتجة في لبنان كقطاعي الزراعة والصناعة. أما على صعيد الماليّة العامة فان رفع الدولار الجمركي سيحدّ من عملية العجز العام من قبل ​مصرف لبنان​ ويحدّ من ذبذبة سعر صرف الدولار في السوق الموازية.

وفي موضوع ​قطاع الكهرباء​ لفت د. بركات الى ان التحديات تتمحور حول تعزيز الإنتاج والاعتماد بشكل أكبر على كهرباء الدولة على حساب المولّدات، مع ما يتطلب ذلك من تصحيح للتعرفة المحلية. قائلا "ان ​شركة كهرباء لبنان​ تعاني من ضائقة ماليّة كبرى في ظلّ كلفة انتاج تتجاوز ٢٧ سنتا للكيلوواط ساعة، في حين ان التعرفة الحالية تقلّ عن نصف سنت للكيلوواط ساعة وهي الأدنى في العالم. مطالبًا بتصحيح التعرفة مع إبقاء الدعم النسبي لشريحة الاستهلاك المتدنّي، وجعل الجباية آنيّة مع اعادة جدولة المتأخرات وتحفيز اجراءات الجباية في ظلّ تشكيل هيئة ناظمة للقطاع بشكل عام.

وشدد كبير الاقتصاديين في بنك عودة انه ينبغي ألا تكون الموازنة في غياب رؤية إصلاحية طويلة الأمد للتصحيح المالي (خمس سنوات على الأقل). فيجب أن تقوم الرؤية المنشودة على تخفيض تدريجي لحاجات الدولة التمويليّة من خلال تقليص عجزها المالي بشكل ملموس، والذي يمثل نقطة الوهن الرئيسية للدولة اللبنانية في الوقت الحاضر، خاصة وأنّ العجز العام يتم تنقيده من قبل المصرف المركزي، ما يعني خلق نقد ملحوظ وتضخّم في الأسعار. وأردف "إن قيمة النقد المتداول كانت قد ارتفعت خلال العامين الماضيين، من 10 آلاف مليار ليرة في نهاية العام 2019 إلى 30 ألف مليار ليرة في نهاية العام 2020، والى 45 ألف مليار ليرة في نهاية العام 2021 وهو ما ساهم في الانحراف في سعر الصرف في السوق الموازية".

واعتبر د. مروان بركات إن موضوع ابرام اتفاق متكامل مع صندوق النقد يعدّ حدثاً تاريخياً إن حصل. من هنا، أهمية التوصّل الى أرضيّة مشتركة معه والتوصل الى اتفاق قبل ​الانتخابات النيابية​. ممّا يؤمن انخراطه في مراقبة تطبيق الإصلاحات الهيكليّة والماليّة وتنفيذها على خير وجه، ما يؤثر ايجاباً على الدول المانحة، ويمهّد الطريق امام انعكاس النمط السائد على الصعيد الاقتصادي ووضع حدّ للضغوط الماكرو-اقتصادية والاجتماعية الضخمة التي ترزح تحتها البلاد منذ عامين ونيف.

وختم انه في حال سلك لبنان المسار الصحيح هذا العام، وتم التوصل إلى ابرام اتفاق مع الصندوق، وإطلاق الإصلاحات الجدّية وتأمين الدعم الدولي المنتظر، نتوقع نمواً إيجابياً في الناتج المحلي الحقيقي في العام 2022، وذلك انطلاقا من قاعدة ضعيفة في العام الماضي، وبدعم من الاستهلاك الخاص والطلب الاستثماري، ما قد يسهم في تحسّن نسبي في الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة عموماً، ويضع لبنان على مسيرة النمو الإيجابي مجدداً...