اشارت صحيفة "الاخبار" الى ان الهمس الفعلي في ما أسرّ به رئيس الحكومة السابق المعتزل سعد الحريري الى بعض مَن التقاهم اخيراً، فيكمن فيه جوهر ما فعل. لم يُصغِ الى كل المناشدات بعدم اخلاء مكانه، وأجاب بأنه مقتنع كلياً بما قرّر ولن يعود عنه. قال "طلبوا مني"، من غير أن يسمّي جهة محلية - وفي الغالب ليست كذلك - او اقليمية وراء قرار اخراجه من الحياة السياسية هو وعائلته وحزبه تيار المستقبل.

الاشارة المبسّطة الدلالة الى مغزى إعطاب الافرقاء الثلاثة هؤلاء، الرجل والعائلة والتيار، ان المطلوب - والواقع المفروض - إسدال ستار اخير على أدوارهم في المعادلة الوطنية، بل إخراجهم نهائياً منها. كأن العائلة والتيار يدفعان ثمن أخطاء الرجل، او انه قادهما معه الى هذه الخاتمة.

بعض ما كان أسرَّ به عشية مؤتمره الصحافي، في أكثر من لقاء، وأفصح عنه في الغداة بعناوين غامضة:

1 – "أنهوني". ثمة قرار قاطع تبلّغه بالقضاء نهائياً على دوره السياسي، بدأ عام 2017 عندما احتجز في الرياض ولم يتوقف.

2 - البيت يجب ان يقفل نهائياً، ولا يتعاطى ال​سياسة​ بعد الآن.

3 - لا ترشّح للانتخابات لأي في العائلة وفي التيار، تحت اي مسمّى او دعم ملتبس. اما هو فأخذ على عاتقه ان "ينصح" الاقربين أن لا يترشحوا، ولا يريد تحمّل مسؤولية ان يفعلوا.

4 - لم يقتصر الطلب منه على الاعتزال فحسب، بل دعوة تياره الى الاقتراع للوائح التي يتقدم بها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع واللواء أشرف ريفي ونائب بيروت فؤاد مخزومي وبهاء الحريري. المهم في الجواب الذي أفضى به الحريري الى محدثيه، انه لن يستجيب هذا الطلب "مهما كلفني". استطرد ان المقصود هو "دفع لبنان في اتجاه نزاع سنّي ـ شيعي، وأنا لن أكون أداة لهذه الخطة اياً تكن تداعياتها". بَانَ المقصود في ما دُعي اليه، جمع كل اعداء حزب الله في تكتل واحد في المرحلة التالية لما بعد الانتخابات، على طريق نشوء مرجعية سنّية جديدة قادرة على المواجهة والوصول الى الصدام.

5 ـ قال ان الرسالة التي تبلغها أخيراً فهمها متأخراً: "عام 2017 تبلغها ابن عمتي نادر ففهمها وارتضى بها وابتعد. أنا تأخرت في فهمها".

6 ـ لأن العائلة كلها مشمولة بالاعتزال، بما فيها العمّة النائبة بهية الحريري، كان ثمة اقتراح بترشح الرئيس فؤاد السنيورة في بيروت. عُرض الاقتراح على الحريري، وطلب منه ان لا يعترض على السنيورة - ما دام ليس من العائلة ولم يعد نائباً ولا رئيساً للتيار ولا لكتلته النيابية - فلا يقول تالياً انه لا يمثله، او لا يمثله تياره وخطه السياسي. لم تنجح المحاولة بعد في اقناعه بهذا المخرج.

ترشح السنيورة

بحسب ما قيل ان السنيورة يوافق على الترشح اذا "طنّش" الحريري عنه. في الموازاة - على ذمة الرواة - فإن السنيورة يتقلّب على جمر، غاضباً من محاولة تسييب الساحة السنّية وإفقاد الطائفة، في بيروت والمناطق، مرجعيتها السياسية المكرَّسة. ما ينقل عنه قوله انه يرفض ترك الساحة السنّية لـ"شذاذ الآفاق"، في اشارة الى كل مناوئي الحريرية السياسية ورئيسها المعتزل وتياره، مدافعاً عن ضرورة الابقاء على الاعتدال الذي تمثله.

قرار الحريري شأنٌ حزين

وفيما كان لافتاً أن كلمة الحريري كانت مقتضبة، من دون أن يتطرق بشكل تفصيلي إلى خلفية قراره، تحدث عن التسويات التي أتت على حسابه وخسارة ثروته الشخصية وبعض صداقاته الخارجية والكثير من تحالفاته الوطنية.

وقد أعقبت موقف الحريري، تحركات شعبية وقطع طرقات في العديد من المناطق، فيما قال رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي لـ"الجمهورية": "إنّ قرار سعد الحريري شأنٌ حزين".

رفض التصريح عن مسؤولية السعودية المباشرة

الى ذلك، تشعر اوساط سنية، بحسب "الديار"، مقربة من الحريري ودار الفتوى بالخيبة والحزن على هذه النهاية المؤلمة لإرث رفيق الحريري، ولإضطرار الحريري الابن، وبعد 17 عاماً من العمل الحكومي والنيابي والسياسي الى "إغلاق بيته"، للرحيل بسبب خيبات داخلية والاخلال بالتسوية السياسية والرئاسية من قبل "التيار الوطني الحر" و"القوات". وتقول الاوساط ان جزءاً كبيراً من السّنة يحمّلون الحريري مسؤولية الاخفاق بسبب التحالفات مع "التيار" والعهد، وكذلك ربط النزاع والتسويات مع حزب الله.

واذا كانت الاوساط ترفض التصريح عن مسؤولية السعودية المباشرة بحصار الحريري وإغلاق بيته السياسي، الا انها تقرّ ان هناك قراراً دولياً واقليمياً كبيراً بإخراج الحريري من المعادلة السياسية الداخلية والدولية والاقليمية، وخروجه ليس قرارا اختياريا او بكامل الارادة والحرية.