في جانبٍ مِن المُشكلة على صعيد الرّأي العامّ في لُبنان، في ما خصّ الأَزمة الاقتصاديّة –الماليّة–المعيشيّة المُتشعّبَة والحادّة، أَنّ كُلّ فريقٍ مِن اللُبنانيّين، يظنُّ أَنّ الآخرين هُم في وضعٍ أَفضل منه، فيما في الواقع تُرخي الأَزمة المُزمِنة بظِلالها على الجميع، ولا يسلم مِن شرّها أَحدٌ... حتّى كاد اللُبنانيّ يرى الكوارث خبْط عشواءٍ، مَن تُصِبْه تُرديه، وهي تُصيب الجميع!...

ولذا يعتقد البعض –على سبيل المِثال لا الحصر- أَنّ المُعلّم في المدرسة الرّسميّة أَفضل حالًا مِن العاملين في باقي القطاعات، أَو مِن الشّرائح الاجتماعيّة الّتي كانت في الماضي صُفوف الطّبقة المتوسّطة، في حين أَنّ الجميع قد انزلقوا إِلى الفَقْر، ومنهم إِلى الفَقْر المُدْقع!...

وفي وقت يُشار إِلى مخاوف مِن إِقرار المُوازنة الطّاحنة لقُدُرات كلّ الشّرائح، باستثناء ذوي الثّروات الفاحشة، يتواصل ارتفاع الأَسعار "بسبب الاحتكار"... فيما بات لا مناصَ مِن خَفْضها ولو بالقانون.

إِلى ذلك فقد أَفضت زَوْبعة التّعيينات إِلى "عِتابٍ" وجّهه الخليلان إِلى رئيس الحُكومة ​نجيب ميقاتي​... فأُحيلت المُوازنة عقب ذاك العتاب، ورُبّما المُرفَق بـ"غسل قُلوبٍ"، إِلى المجلس النّيابيّ، فيما "قلْبُ اللُبنانيّ في يده"، مِن كَيْد المُوازنة، و"إِنّ كيدها لعَظيمٌ"!... إِذ كيف يُمكِن أَن تُفرَض الضّرائب فيما الرَّواتب تآكلت بفعل انهيار النّقد الوطنيّ؟.

ولذا يُنتَظَر مِن التّظاهُرات المُقرّر انطلاقها الأربعاء في العاصمة بيروت، بدءًا مِن تقاطُع المتحف، أَن تتخلّلها ​اعتصامات​ برسالةٍ واضحة المعالم عنوانها: أَوْقِفوا تجويع النّاس... كُلّ النّاس!.

عيّنةٌ... وأَرقامٌ!

و"بالعودة إلى خرافنا"، كما يُقال في المَثَل الفرنسيّ، وفي الانتقال مِن العامّ إِلى الخاصّ هذه المرّة، فإِنّ قطاع التّعليم في لُبنان ليس جزيرةً "تنأى بنفسها" عمّا يُحيط بها مِن جوٍّ عامٍ مَوْبوءٍ بفسادٍ، نخر عضم معيشة النّاس، وشلّ عصب إِمكاناتهم الشّرائيّة وحتّى لأَبسط احتياجاتهم الضّروريّة... وإِذا كان من حقّ المُعلِّم في المُؤَسّسات الرّسميّة الأَكاديميّة أَو التّقنيّة نظريًّا، أَن يختار لبَنِيه المدرسة الّتي يرى فيها خدمةً تربويّةً تُلبّي الاحتياجات... فإِنّ هذا "التّرف" تقف دونه أَسعار التّعليم اليَوْم في لُبنان وتَحُول دون إِحقاقه، وما أَصعب وضع مَن يُعلِّم أَولاد النّاس، وهو عاجزٌ عن تعليم أَبنائه... وقد طُبّق عليه المثل القائل: "زوجة السكّاف حافية"...

إِنّ لائحة الأَقساط المدرسيّة في مدرسةٍ خاصّةٍ في جبل لُبنان، ومِن غَيْر ​المدارس​ المَشهورة بأَقساطها الخياليّة، تُشير إِلى الآتي: 6،850،000 ليرة لبنانيّة لصُفوف الحضانة، وصولًا إِلى 8،000،000 ليرة للصفّ الثّانوي الأَوّل، مِن دون أَن ننسى التّسجيل عن كلّ ولدٍ (300،000 ليرة لُبنانيّة) وأَمّا مصاريف فتح الملفّ للمُتعلّمين الجدد فهو (300،000 ليرة) أَيضًا...

وفي هذا الإطار يقول الأُستاذ أَفرام، وهو أُستاذ في التّعليم المهنيّ والتّقنيّ، وأَبٌ لثلاثة أَولادٍ إِنّ الأَقساط المُتَوجّبه عليه عنهُم إِنّما هي –ومن دون احتساب الإِضافات المُمكنة: قرطاسيّة ومصاريف أُخرى مُختلفة...– تبلغ 21،450،000 أَي بمُعدّل 1،787،500 ليرةٍ لُبنانيّة.

وفي عمليّةٍ حسابيّةٍ بسيطةٍ، لا يُمكن الأُستاذ تأمين أَيّ التزامٍ ماديّ آخر، إِذا ما دفع للمدرسة مُتوجّباته تجاهها لقاء تعليم أَولاده!.

وتاليًا فما يتبقّى له من الرّاتب بالكاد يكفيه ثمن خبزه الشّهريّ وبعض المَواد الغذائيّة!...

إِنّها حالةٌ تتجاوز قطاع التّعليم في لُبنان، لتنسحبَ على قطاعاتٍ وقطاعاتٍ، وقد صدق متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس ​المطران الياس عوده​ في تساؤله: "مِن أَين سيدفع المُواطن الزّيادات المُرتَقَبة وهو غير قادرٍ على إِطعام أَولادِه"؟...