غالبًا ما يصلني بالتواتر عن الكثير من المشكلات الإجتماعية المستجدة في وطني لبنان وهي ظاهرة للعيان وواضحة ولا يمكن أن نختلف على أسبابها ومُسبِباتها. الفقر مشكلة، البطالة مُشكلة، الرياء السياسي مشكلة، التضليل مشكلة، والكل يعلم هذا ولكن ما في اليد حيلة... غالبية من يتعاطون الشأن السياسي ومن مختلف الإتجاهات السياسية سواء أكانوا مسؤولين رسميين أو عاديين وحتى روحيين يعلمون هذا الأمر ويستنكرونه هامشيًا. والجرائم في لبنان هي جزء من المشكلات الإجتماعية التي توجد في كل المجتمعات وبدرجات متفاوتة منها سرقة المال العام وتجيير السيادة وضرب أسُس الديمقراطية والتعاطي غير المبرّر في شؤون القضاء والتلّطي بشعارات زائفة .

كلما وردني إتصال عن هذا الواقع أحاول مع الكبار(وباتوا قلّة في لبنان)، نحاول جاهدين وبكل ما أوتينا من إمكانيات إيقاف سيلها... كل هذه المشكلات وغيرها كثير من المشاكل الظاهرة والواضحة، ولكن هناك أنواعًا من المشكلات الإجتماعية خافية وغير واضحة للكثيرين، وهذا لا يعني أننا لا نحاول معالجتها أو أنها غير خطيرة. أليست مشكلة البطالة عاهة إجتماعية؟ أليست مشكلة المدارس والجامعات معضلة كبيرة ومستعصية؟ أليست المشاكل العائلية ضمن العائلات مستفحلة؟... وتتوارد الأسئلة إنْ أردنا الإسترسال فيها، ولكن هل من يجيب على قلقنا من تفكّك مجتمعنا اللبناني؟ ألا يخاف السياسيّون على بُنية المجتمع من الإنحدار نحو السرقة والميسر والأصولية والإرهاب؟...

الحقيقة أنّ المشكلة بمن يتناوبون على السلطة ونتائجها الخطيرة واضحة ومحددة في أروقة الغرف، التي تُحاول جاهدةً إيجاد الحلول الناجعة، ومؤسستنا الإجتماعية من المؤسسات التي تسعى جاهدة لإيجاد الحلول، ولكن صحّ قول المثل "فالج لا تعالج"، المجتمع اللبناني مُفكّك وبات مشلولاً إلى درجة لم تَعُد تنفع معه عمليات الترقيع والتستُّر والكذب... ومما لا شك فيه أنّ السياسي المنحرف أو غير الملتزم بالقوانين مُساويًا لهذه الأفعال الشنيعة، ومن الطبيعي أن ينحرف المجتمع في متاهات سحيقة قد تقوده أو قادته إلى طريق الجرائم والخروج عن القيم السليمة ومعاييرها السلوكية التي إرتضاها لنفسه.

وفقًا لخبرتي وبعد تواصل مباشر مع أكثر من مرجع لبناني، تنامى إليّ أنّ بعض السياسيين لا يرغب في رؤية الأمور محلولة، وذلك إما لكون حلّها خارج عن نطاقه بسبب عمالته وإستسلامه وإرتهانه، وإما لكون حلّها يعود بتأثير سلبي عليه وفقًا لتفكيره. وبصريح العبارة يسعى جاهدًا للإطباق على مجتمع معيّن كي يبقى رهينة بين يديه يُحركه وفقًا لمصالحه، أو لكون المعالجة مكلفة له وقد يُطرد من مجموعة سياسية إرتهن سابقًا معها... معظم الناس في لبنان على ما خبرت لديهم معدلا محدودا من الدراية والمعرفة حول مشاكل تفكك مجتمعنا، وغالبًا الأمور لا تكون منظّمة، والذي يستمع إلى مغالطات واسعة متعلّقة بالمشكلات السياسية، الأمنيّة، الإقتصادية والمالية... يكتشف تباعًا أن معظم معرفة الناس (الرأي العام) حولها جدّ سطحيّة غير معمّقة، الأمر الذي يتطلب حلّها بصورة جذرية. إنني أرتكز عبر فريق عملي على توعية الرأي العام وتنويره من خلال الندوات والمحاضرات وعسانا نوّفق في خلق رأي عام منظّم غير قابل للإختراق ...

تفكك المجتمع آفّة خطيرة، وذلك بسبب قصور المسؤولين في تأدية دورهم والمتمثّل في صياغة منظومة سياسية صالحة لممارسة العمل السياسي، حيث تعد جزءًا من بُنية سليمة لمجتمع متعافٍ. لذلك علينا إعادة النظر في الدور السياسي الذي من الممكن أن نسلكه في المستقبل القريب والدور المهم في تنشئة الأجيال الصالحة وتحمّلها المسؤولية .