كشفت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، عن مخاوف جدية تسود القوى السياسية والشعبية الفلسطينية من خطورة تداعيات الحرب الروسية–الاوكرانية على التمويل المالي لوكالة "الاونروا" في ظلّ العجز التي تترنح منه، بعد توجيه الاهتمام الدولي الى رعاية اللاجئين الجدد من اوكرانيا وتخصيص كل الدعم المالي والانساني لهم، ما يؤثر سلبا على خدمات "الاونروا" واستمرارها.

وتشير هذه المصادر، ان تأثير هذه الحرب الاقتصاديّة على مجتمع ​اللاجئين الفلسطينيين​ في ​لبنان​ سيكون مزدوجا، الاول يأتي امتدادا للازمة اللبنانية والعالمية في نقص النفط والقمح والزيت وارتفاع اسعارهم، في وقت لم يتعافَ فيه العالم من اثار جائحة كورونا والركود التجاري بشكل عام، وفي ظل البطالة والفقر المدقع في المخيمات من جهة أخرى، والثاني لجهة العجز المالي لوكالة "الاونروا" بشكل خاص، حيث الآمال كانت معقودة على المزيد من الدعم لتحسين الخدمات الاجتماعية والصحية والتربوية،وليس بإبقائها على حالها فقط، لكن يبدو ان الحرب قضت على هذه التطلعات وأعادت الأمور الى نقطة الصفر.

في الاروقة الفلسطينية والتي تتقاطع مع اللبنانية، فإن طول أمد الازمة وشظاياها الانسانية على صعيد اللجوء العالمي، في ظل ظروف ماليّة صعبة وطبيعيّة قاسية (مناخيا) ستحوّل اهتمام باقي اللاجئين الى رعيّة من الدرجة الثانية وربما وقفها، خاصة وان "الاونروا" تتعرض لضغوط سياسية كثيرة لانهاء عملها وشطب حق العودة، في اطار خطة مشبوهة لتصفية القضية الفلسطينية.

ويؤكد أمين سر "اللجان الشعبية الفلسطينية" في منطقة صيدا، الدكتور عبد ابو صلاح لـ"النشرة"، ان هذه الهواجس مشروعة، وطالب "الاونروا" اليوم وأكثر من اي وقت مضى بتحمل مسؤولياتها كاملة في تأمين التمويل الضروري لاستمرار خدماتها كافة، "كما طلبناها في السابق بان تكون الموازنة ثابتة من الامم المتحدة، كي لا نبقى عرضة للابتزاز الاميركي–الاسرائيلي،ونكرر مطالبتنا للوكالةبالعمل على تخصيص موازنة سنوية دائمة تبقى اللاجئ الفلسطيني بمأمن من تداعيات اي تطورات عالمية لجهة نشوب حرب عسكرية او ازمات اقتصادية او صحية، ورحمة الدول التي تتعامل وفق موقفها السياسي من القضية الفلسطينية.

واشار ابو صلاح انه من "الطبيعي ان يتحول الاهتمام الدولي مع لاجئي ​أوكرانيا​ اليوم، ونحن لسنا ضدّه، لان اللاجئهو كذلك في اي مكان بالعالم، ولكننا ضد العنصرية في التعاملمعهم والتفريق بينهم سواء بالنسبة لقضية اللجوء الفلسطيني او اللاجئين من اوكرانيا نفسها بين سكان البلد الاصليين والعرب والطلاب المقيمين فيها من مختلف الجنسيات، معربا عن إعتقاده "ان الحرب ستتوقف عاجلا أم آجلا بحلول سياسية او عسكرية، ولكن يبقى الميزان في دعم "الاونروا" وقضية اللاجئين الفلسطينيين المستمرة منذ سبعة وعقود ونيف وسط معاناة لا تنتهي بل تزداد سوءا.

في المقابل، يؤكد مدير عام "الهيئة 302" علي هويدي، ان المخاوف الفلسطينية تتزايد مع طول فترة الحرب الروسية–الاوكرانية، ولدينا قلق حقيقي من امكانية "​الأونروا​" وقدرتها على توفير ما تبقى من ميزانيتها لسنة 2022، المقدرة بنحو مليار و600 مليون دولار، لديها منها فقط ما نسبته 40%، موضحا ان بعض الدول المانحة لمساعدات لوكالة "الأونروا"كانت تتذرع بعدم الدفع في السابق بالاولويات؛ تارة الأوضاع الإقتصادية، وتارة أخرى بجائحة كورونا، واليوم حتما سيكون السبب بأن الأولويات لدعم اللاجئين من أوكرانيا مع موجة الهجرة الى الدول المحيطة بها.

وتوقع هويدي، ان ينعكس ذلكبشكل مباشر على الخدمات التي تقدمها "الأونروا" لأكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني مسجل في مناطق عملياتها الخمسة (الضفة الغربية بما فيها شرق القدس المحتل، وقطاع غزة وسوريا والاردن ولبنان)، على المستوى الصحي والتربوي والاغاثي والبنى التحتية والتوظيف وغيرها، وسيسبب المزيد من المعاناة والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها اللاجئون في المخيمات والتجمعات والمناطق.. مستغربا كيف أن الأمم المتحدة استطاعت وخلال يومين فقط أن تجمع مليار و200 مليون دولار لخدمة اللاجئين من أوكرانيا وعجزت عن دعم الاونروا سنويا!.

مع بداية العام، أعلنت الوكالة أنها تحتاج الى 1.6 مليار دولار من المجتمع الدولي لتغطية نفقات برامجها لمساعدة اللاجئين في العام 2022،بما في ذلك التعليم والصحة والمساعدة الغذائية،وقال مفوضها العام فيليب لازاريني "في عام 2022 يجب أن يكون الاعتراف بدور الوكالة مدعوما بمستوى كاف من التمويل لمواجهة عجزها مع تراجع عدة دول عن تقديم الدعم الكافي لها.

ولم يخفِ الناشط الحقوقي الدكتور رمزي عوض، مخاوفه من السيناريو الأصعب في المرحلة القادمة، في ظل ​الحرب الروسية الاوكرانية​، حيث أن الاتحاد الأوروبي و​الولايات المتحدة​ الأميركية مع تكاليف الحرب الباهظة ستوجّه مساعداتها للاجئين من أوكرانيا على غرار ما تفعله الآن الكثير من المؤسسات الاغاثيّة، وهنا ستكون المعضلة في تمويل الاونروا، حيث أنه سيتأثر تمويلها الضعيف أساسا والذي سيشكل خطرا على وجودها واستمراريتها في تقديم خدماتها.

وأكد ان هذا الوضع بحاجة الى عقلانية من الوكالة واللاجئين الفلسطينيين قيادة وشعبا، للحفاظ على وجودها وبقاء خدماتها، فهي بحاجة لشفافية أكثر في عملها، ولإشراك مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في المخاطر القادمة من خلال دوائر تأثير محلية ودولية لتأمين تمويل ثابت للوكالة، مع الحفاظ عليها كمؤسسة دولية مستقلة. وفيما يخص مجتمع اللاجئين الفلسطينيين فهم بحاجة لتنسيق عملهم في ظل الظروف الدولية الخطيرة ومن خلال زيادة التواصل مع "الاونروا" وحلحلة الازمات الحالية والقادمة، ليس على قاعدة منتصر وخاسر، بل على قاعدة خدمات مستدامة من الوكالة دون فساد او محسوبية او مكاسب سياسية ضيقة.