يحتار المرء في لبنان في توصيف "الميغاسنتر"، في ظل المعلومات المتضاربة التي يحصل عليها من كل طرف، فهو يراه حيناً نعمة يجب الحصول عليها ولا بد من تطبيقها للوصول الى انتخابات مريحة وسهلة نسبياً، ويراه حيناً آخر نقمة ولعنة على الانتخابات يهدد مصيرها ويضعها في مصير مجهول وقد يكون سبب العلل المستقبلية التي قد تصيب لبنان. الواقع يختلف جذرياً عن النظرتين، لانه يمزج بين الاثنين، ففي حين ان "الميغاسنتر" هو في الحقيقة اجراء مهم لتسهيل عملية الاقتراع للناخبين، الا انه ليس سلاحاً انتخابياً في يد من يدعمه ولا من يعارضه.

الوضع اليوم يشير الى انه في المطلق، يبدو "الميغاسنتر" ضمن خانة الامور الصائبة لاجراء انتخابات نيابية سليمة وناجحة، وانه في ظل ارتفاع اسعار المحروقات والمصائب والويلات الحالّة بلبنان، قد يكون هذا الخيار من الحلول العملية للتخفيف عن الناخب وتشجيعه للاقبال على الاقتراع، ولكننا في لبنان، وما يبدو انه جيد في المطلق، يتحول الى امر سيء. فالعوائق والصعوبات كثيرة، اولها المهلة الزمنية القصيرة جداً التي دارت بها المحركات لبحث الموضوع ونحن على مشارف انتهاء المهلة الرسمية للترشح، وقبل شهرين على موعد الاستحقاق الانتخابي، وهي فترة لن تسمح باقامة مراكز "ميغاسنتر" في مختلف المناطق، وبذلك يصبح لزاماً، اذا كان هناك من نية فعلية في السير بهذا الخيار، تحديد عدد قليل جداً لهذه المراكز لا يتخطى في افضل الاحوال عدد اصابع اليد، وهنا سينزل الى الساحة رؤساء التيارات والاحزاب السياسية والمسؤولون للمطالبة بأفضلية مناطق محسوبة عليهم لاقامة هذه المراكز، فتندلع مواجهات من نوع آخر لتحقيق نقاط مهمة عشية الانتخابات.

واذا سلّمنا جدلاً ان ضبابية قانونية "الميغاسنتر" يمكن ان تحل اذا صفت النوايا بين حسمها لجهة عدم حاجتها الى قانون من مجلس النواب، والاكتفاء بقرار للوزير المعني، فإن المشاكل الاخرى هي التي تفرض نفسها. فهناك اولاً المشاكل المالية لجهة تأمين مصادر التمويل والتي يتم الحديث عن قيمة تتراوح بين مليونين وخمسة ملايين دولار اميركي وفقاً لعدد المراكز، والحاجات اللوجستية والتجهيزات الالكترونية وربطها ببعضها، اضافة الى عدد الموظفين الواجب تأمينهم لتولي المراقبة الالكترونية وحسن سير عملية الاقتراع في ظل غياب البطاقة الممغنطة التي بات من المؤكد عدم القدرة على ابصارها النور في هذه الفترة الزمنية الضيقة جداً. اضافة الى كل ذلك، هناك مشكلة كبيرة تفرض نفسها وتتمثل بالتدريب الكافي الواجب اعطاؤه للموظفين المولجين تولي عملية ادارة "الميغاسنتر"، والدورات المكثفة التي يجب خضوعهم لها، مع الاخذ في الاعتبار ان كل خطأ مهما كان بسيطاً ولو من دون قصد، يتحول حكماً الى اتهام بـ"عملية تزوير" فاضحة توجب طلب تدخل القريب والبعيد، وحتى الطعن بالنتائج مع كل ما يعنيه ذلك من احراج لوزارة الداخلية من جهة، وللشركة التي تتولى التدريب والتجهيز.

وقد يكون نشاط وزير السياحة المهندس وليد نصار في هذا المجال يعود الى خبرته في قضايا التجهيز اللوجستي وهو الذي تولى مهاماً عديدة داخل وخارج لبنان في هذا المجال، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، استشارات واعداد دراسات فنية وتقنية خاصة لقمة G20 في السعودية، والقمم الفرانكوفونية والعربية التي جرت في لبنان. ولكن، على الرغم من كل ما يمكن لنصار ان يقدمه، تبقى عقبات ومشاكل لا يمكنه ايجاد حلول لها لان مفاتيح حلولها لا يملكها هو ولا اي شركة محلية او دولية، فالقفل سياسي ولا يمكن فتحه بمفاتيح لوجستية او عملية. وعليه، يبدو ان معضلة "الميغاسنتر" لن تكون بالسهولة التي تظهر عليها، فالمسألة ليست مجرد الاختيار بين ابيض واسود، بقدر ما تتعلق بالاطراف التي ترغب في اختيار الابيض او الاسود، وعندما تنقشع الضبابية السياسية في هذا السياق، تصبح الحلول في متناول اليد.