ننحو في لبنان، بشكل دائم، الى تعظيم الامور وتكثر النظريات والشائعات وكل ما يخطر في البال من مخططات وتأخذ طريقها فوراً الى العلن. وينسى اللبنانيون او يتناسون انهم بقيامهم بهذا الامر، انما يؤكدون انهم يركبون كل موجة تمر من امامهم، حتى ولو كانت هذه الموجة بعيدة كل البعد عن شاطئ المنطق والواقع. في هذا السياق، ضجت وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بمعطيات قيل انها كانت محور المحادثات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والبابا فرنسيس، وتم تحديدها على انها تتناول شقين: الاول ضرورة "كبح جماح" البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من جهة، والثانية دفع الكرسي الرسولي الى "تليين" المواقف من حزب الله. واذا ما توقفنا للحظات قليلة امام هذه الاخبار وعمدنا الى غربلة الافكار حولها، لوجدنا ان فيها الكثير من التناقضات والاستخفاف، وان هدفها فقط الامعان في الغرق في حمى الانتخابات والحملات الموجهة على المنافسين.

فمن حيث المبدأ، يكاد لا يمر يوم واحد الا ويتم التشديد على ان عون بات ضعيفاً ولا يعترف به العالم، وهو باق فقط من حيث الشكل والتعاطي معه يتم احتراماً للموقع، فكيف له ازاء هذا الضعف ان يفرض على البابا ما يريده، وخصوصاً في مسألة حساسة تخص الكنيسة على غرار التعاطي الفاتيكاني مع البطريرك الماروني؟ ثم في الامر استخفاف كبير لموقع وقيمة قداسة البابا الذي يتم تصويره وكأنه لا يتابع الوضع في لبنان، ولم يرسل اي موفد فاتيكاني رفيع المستوى اليه للاطلاع على حقيقة الاوضاع فيه، ولا يفتح شبكة اتصالات واسعة مع عدد من قادة الدول والمسؤولين في العالم لمعرفة ما يحتاجه، ولم يعمد مراراً وتكراراً الى ادارة شؤون رعاياه في لبنان، خصوصاً وتحديداً في ما خص البطريركية المارونية والرهبانيات وغيرها... فبأي حق يمكن القول ان عون او غيره قادر على فرض رأيه والطلب الى البابا "تحييد" الراعي؟ اضافة الى ذلك، ألم يجر عون اتصالاً بالبطريرك عشية مغادرته الى روما فيما الراعي في مصر، وتداول معه مواضيع الزيارة التي سيقوم بها؟ ترى هل طلب منه ايضاً غض النظر عن مسألة تحييده التي سيثيرها في الفاتيكان؟ قد يأخذ الفايتكان قراراً معيناً في موضوع البطريرك الماروني ايجابياً ام سلبياً، ولكن من المؤكد انه لن يكون جراء تدخل عون او غيره، بل وفق المعطيات التي تكون قد تكونت لدى البابا فرنسيس من خلال متابعاته واتصالاته وموفديه، على غرار ما يحصل في الشؤون الكنسية منذ عقود طويلة جداً.

اما القول بأن عون "توسط" لحزب الله لدى البابا، ففيه ايضاً مبالغة لان عون غير قادر اصلاً على لعب دور الوسيط بين الحزب والفاتيكان، والا لكان لعب هذا الدور في لبنان اولاُ، اضافة الى ان لا مشكلة في الاصل بين الكرسي الرسولي والحزب، ويدرك البابا جيداً ان مسألة الحزب ليست محلية او اقليمية بل باتت دولية، ويتم طرحها على مستوى الخريطة الكبيرة للعالم. وبالتالي فإن تعزيز نفوذ الحزب في لبنان او عدمه، هي امور قد يبحثها ويطلع عليها البابا انما من اشخاص آخرين، والقرار الذي يتخذه في هذا المجال سيأتي بعد درس الموضوع ن كافة جوانبه وليس وفق رأي من هنا او آخر من هناك.

انها قمة الاستخفاف بالعقول وبالاشخاص، على غرار اخبار وشائعات يتم اطلاقها دورياً وتأخذ طريقها الى الناس الذي يتقبلونها من دون عناء التفكير بها او التمعن في مضمونها ومدى مقاربتها للواقع. صحيح ان حمى الانتخابات ترتفع كلما اقتربنا من موعد هذا الاستحقاق، ولكن لا يجب الوصول الى الهذيان السياسي، على الرغم من ان الحملات وصلت الى اسفل درك من اللغة السفيهة البعيدة تماماً عن البرامج الانتخابية والقواعد المتّبعة في كل دول العالم لجهة ترويج المرشح لنفسه من زاوية مشروعه الذي سيعمل على اساسه في حال فوزه... ولكن، في لبنان لا مكان لكل هذه القواعد.